فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (114)

ولما رأى عيسى ما حكوه عن أنفسهم من الغرض بنزول المائدة قال : { اللهم رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً منَ السماء } أي كائنة أو نازلة من السماء ، وأصل اللهمّ عند سيبويه وأتباعه : يا ألله ، فجعلت الميم بدلاً من حرف النداء ، وربنا نداء ثان ، وليس بوصف ، و { تَكُونُ لَنَا عِيداً } وصف لمائدة . وقرأ الأعمش «يكون لنا عيدا » أي يكون يوم نزولها لنا عيداً . وقد كان نزولها يوم الأحد ، وهو يوم عيد لهم والعيد واحد الأعياد ، وإنما جمع بالياء وأصله الواو للزومها في الواحد . وقيل للفرق بينه وبين أعواد جمع عود ، ذكر معناه الجوهري . وقيل أصله من عاد يعود : أي رجع ، فهو عود بالواو ، وتقلب ياء لانكسار ما قبلها ، مثل الميزان والميقات والميعاد ، فقيل ليوم الفطر والأضحى عيدان ، لأنهما يعودان في كل سنة . وقال الخليل : العيد كل يوم جمع كأنهم عادوا إليه . قوله : { لأِوَّلِنَا وَآخِرِنَا } بدل من الضمير في لنا بتكرير العامل أي لمن في عصرنا ولمن يأتي بعدنا من ذرارينا وغيرهم . قوله : { وَآيَةً مِنْك } عطف على { عيداً } : أي دلالة وحجة واضحة على كمال قدرتك ، وصحة إرسالك من أرسلته { وارزقنا } أي أعطنا هذه المائدة المطلوبة ، أو ارزقنا رزقاً نستعين به على عبادتك { وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين } بل لا رازق في الحقيقة غيرك ولا معطى سواك ، فأجاب الله سبحانه سؤال عيسى عليه السلام فقال : { إِنّي مُنَزّلُهَا } أي المائدة { عَلَيْكُمْ } .

/خ115