النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (114)

قوله تعالى : { قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِل عَلَيْنَا مَآئِدَةً منَ السَّمَآءِ }

إنما زيدت الميم في آخر اللهم مثقلة عوضاً عن حرف النداء ، فلم يجز أن يدخل عليه حرف النداء فلا يقال يا اللهم لأن الميم المُعَوِّضة منه أغنت عنه ، فأما قول الشاعر :

وما عليك أن تقولي كلما *** سبحت أو هللت يا اللهم ما

اردد علينا شيخنا مسلما *** [ فإننا من خيره لن نعْدَما ]{[841]}

فلأن ضرورة الشعر جوزته .

سأل عيسى ربه ، أن ينزل عليهم المائدة التي سألوه ، وفي سؤاله وجهان :

أحدهما : أنه تفضل عليهم بالسؤال ، وهذا قول من زعم أن السؤال بعد استحكام المعرفة .

والثاني : أنه رغبة منه إلى الله تعالى في إظهار صدقه لهم ، وهذا قول من زعم أن السؤال قبل استحكام المعرفة .

{ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : نتخذ اليوم الذي أنزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا قاله قتادة والسدي .

وقيل : إن المائدة أنزلت عليهم في يوم الأحد غداة وعشية ، ولذلك جعلوا الأحد عيداً{[842]} .

والثاني : معناه عائدة من الله تعالى علينا ، وبرهاناً لنا ولمن بعدنا .

والثالث : يعني نأكل منها جميعاً ، أولنا وآخرنا ، قاله ابن عباس .

{ وَءَايَةً مِّنكَ } يعني علامة الإِعجاز الدالة على توحيدك وقيل التي تدل على صدق أنبيائك .

[ وارزقنا ]الشكر على ما أنعمت به علينا من إجابتك ، وقيل : ارزقنا ذلك من عندك .


[841]:- هذا الشطر لم يرد في الأصول وقد أخذناه من خزانة الأدب ص 358 جـ1
[842]:سقط من ق.