المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (22)

22- ولما توجه ناحية مدين - قرية شعيب - لما فيها من الأمن - تضرع إلى الله أن يهديه طريق الخير والنجاة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (22)

{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ } أي : قاصدا بوجهه مدين ، وهو جنوبي فلسطين ، حيث لا ملك لفرعون ، { قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } أي : وسط الطريق المختصر ، الموصل إليها بسهولة ورفق ، فهداه اللّه سواء السبيل ، فوصل إلى مدين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (22)

ثم حكت لنا السورة الكريمة بعد ذلك ، ما كان منه عندما توجه إلى جهة مدين ، وما حصل له فى تلك الجهة من أحداث ، فقال - تعالى - : { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ . . . } .

لفظ { تِلْقَآءَ } فى قوله - تعالى - : { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } منصوب على الظرفية المكانية ، وهو فى الأصل اسم مصدر . يقال دارى تلقاء دار فلان ، إذا كانت محاذية لها .

و { مَدْيَنَ } اسم لقبيلة شعيب - عليه السلام - أو لقريته التى كان يسكن فيها ، سميت بذلك نسبه إلى مدين بن إبراهيم - عليه السلام - .

وإنما توجه إليها موسى - عليه السلام - ، لأنها لم تكن داخلة تحت سلطان فرعون وملئه .

أى : وبعد أن خرج موسى من مصر خائفا يترقب ، صرف وجهه إلى جهة قرية مدين التى على أطراف الشام جنوبا ، والحجاز شمالا .

صرف وجهه إليها مستسلماً لأمر ربه ، متوسلا إليه بقوله : { عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السبيل } .

أى : قال على سبيل الرجاء فى فضل الله - تعالى - وكرمه : عسى ربى الذى خلقنى بقدرته ، وتولانى برعايته وتربيته ، أن يهدينى ويرشدنى إلى أحسن الطرق التى تؤدى بى إلى النجاة من القوم الظالمين .

فالمراد بسواء السبيل : الطريق المستقيم السهل المؤدى . إلى النجاة ، من إضافة الصفة إلى الموضوف أى : عسى أن يهدينى ربى إلى الطريق الوسط الواضح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (22)

ثم يتبعه السياق خارجا من المدينة ، خائفا يترقب ، وحيدا فريدا ، غير مزود إلا بالاعتماد على مولاه ؛ والتوجه إليه طالبا عونه وهداه :

( ولما توجه تلقاء مدين قال : عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) . .

ونلمح شخصية موسى - عليه السلام - فريدا وحيدا مطاردا في الطرق الصحراوية في اتجاه مدين في جنوبي الشام وشمالي الحجاز . مسافات شاسعة ، وأبعاد مترامية ، لا زاد ولا استعداد ، فقد خرج من المدينة خائفا يترقب ، وخرج منزعجا بنذارة الرجل الناصح ، لم يتلبث ، ولم يتزود ولم يتخذ دليلا . ونلمح إلى جانب هذا نفسه متوجهة إلى ربه ، مستسلمة له ، متطلعة إلى هداه : ( عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) . .

ومرة أخرى نجد موسى - عليه السلام - في قلب المخافة ، بعد فترة من الأمن . بل من الرفاهية والطراءة والنعمى . ونجده وحيدا مجردا من قوى الأرض الظاهرة جميعا ، يطارده فرعون وجنده ، ويبحثون عنه في كل مكان ، لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلا . ولكن اليد التي رعته وحمته هناك ترعاه وتحميه هنا ، ولا تسلمه لأعدائه أبدا . فها هو ذا يقطع الطريق الطويل ، ويصل إلى حيث لا تمتد إليه اليد الباطشة بالسوء :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (22)

وقوله : ولَمّا تَوَجّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ يقول تعالى ذكره : ولِما جعل موسى وجهه نحو مدين ، ماضيا إليها ، شاخصا عن مدينة فرعون ، وخارجا عن سلطانه ، قال : عَسَى رَبّي أنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ وعنى بقوله : «تلقاء » : نحو مدين ويقال : فعل ذلك من تلقاء نفسه ، يعني به : مِن قِبَل نفسه ويقال : داره تلقاءَ دار فلان : إذا كانت محاذيتها ، ولم يصرِف اسم مدين لأنها اسم بلدة معروفة ، كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد المعروفة ومنه قول الشاعر :

رُهْبانُ مَدْيَنَ لَوْ رأوْكِ تَنزّلُوا *** والعُصْمُ مِنْ شَعَفِ العُقولِ الفادِرِ

وقوله : عَسَى رَبّي أنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ يقول : عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين ، وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها .

وذُكر أن الله قيّض له إذ قال : رَبّ نَجّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ ملَكا سدّده الطريق ، وعرفه إياه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما أخذ موسى في بنيات الطريق جاءه مَلَك على فرس بيده عَنْزة فلما رآه موسى سجد له من الفَرَق قال : لا تسجد لي ولكن اتبعني ، فاتبعه ، فهداه نحو مدين . وقال موسى وهو متوجه نحو مدين : عَسَى رَبّي أنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ فانطلق به حتى انتهى به إلى مَدين .

حدثنا العباس ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : خرج موسى متوجها نحو مدين ، وليس له علم بالطريق إلاّ حُسن ظنه بربه ، فإنه قال عَسَى رَبي أنْ يَهْدِينِي سَوَاءَ السّبِيلِ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذُكِرَ لي أنه خرج وهو يقول : رَبّ نَجّنِي منَ القَوْمِ الظّالِمِينَ فهيأ الله الطريق إلى مدين ، فخرج من مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر ولا درهم ولا رغيف ، خائفا يترقب ، حتى وقع إلى أمة من الناس يسقون بمَدين .

حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المَرْوِزِيّ ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : خرج موسى من مصر إلى مَدْين ، وبينها وبينها مسيرة ثمان ، قال : وكان يُقال نحو من الكوفة إلى البصرة ، ولم يكن له طعام إلاّ وَرَق الشجر ، وخرج حافيا ، فما وصل إليها حتى وقع خفّ قدمه .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عَثّام ، قال : حدثنا الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : لما خرج موسى من مصر إلى مدين ، وبينه وبينها ثمان ليال ، كان يقال : نَحوٌ من البصرة إلى الكوفة ثم ذكر نحوه . ومدين كان بها يومئذٍ قوم شعيب عليه السلام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَلما تَوَجّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ومدين : ماء كان عليه قوم شعيب قالَ عَسَى رَبّي أنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ .

وأما قوله : سَوَاءَ السّبِيلِ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو قولنا فيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد سَوَاءَ السّبِيلِ قال : الطريق إلى مدين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة قالَ عَسَى رَبّي أنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ قال : قصد السبيل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عَبّاد بن راشد ، عن الحسن عَسَى رَبّي أنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ قال : الطريق المستقيم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (22)

ولما خرج موسى عليه السلام فاراً بنفسه منفرداً حافياً لا شيء معه ، رأى حاله وعدم معرفته بالطريق وخلوه من الزاد وغيره فأسند أمره إلى الله تعالى و { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } ، وهذه الأقوال منه تقتضي أنه كان عارفاً بالله تعالى عالماً بالحكمة والعلم الذي آتاه الله تعالى ، و { توجه } ، رد وجهه إليها ، و { تلقاء } معناه ناحية ، أي إلى الجهة التي يلقى فيها الشيء المذكور ، و { سواء السبيل } معناه وسطه وقويمه ، وفي هذا الوقت بعث الله تعالى الملك المسدد حسبما ذكرناه قبل وقال مجاهد : أراد ب { سواء السبيل } طريق مدين وقال الحسن : أراد سبيل الهدى .

قال القاضي أبو محمد : وهذا أبدع ونظيره قول الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم «هذا الذي يهديني السبيل » الحديث{[1]} .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟