المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

20- يظن هؤلاء المنافقون أن جيوش الكفار المتحزبة لا تزال مكانها تحاصر المدينة ، وإن يأت الأحزاب كرة أخرى يَتَمَنَّ الجبناء أن لو كانوا يعيشون مع الأعراب في البوادي يتسقطون أخباركم ، ولو ظل هؤلاء في معسكرهم ولم يفروا والتحم الجيشان ما قاتلوا معكم إلا قليلا للرياء والسمعة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

{ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } أي : يظنون أن هؤلاء الأحزاب ، الذين تحزبوا على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأصحابه ، لم يذهبوا حتى يستأصلوهم ، فخاب ظنهم ، وبطل حسبانهم .

{ وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ } مرة أخرى { يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } أي : لو أتى الأحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة ، ودَّ هؤلاء المنافقون ، أنهم ليسوا في المدينة ، ولا في القرب منها ، وأنهم مع الأعراب في البادية ، يستخبرون عن أخباركم ، ويسألون عن أنبائكم ، ماذا حصل عليكم ؟

فتبًا لهم ، وبعدًا ، فليسوا ممن يبالى{[697]}  بحضورهم { وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا } فلا تبالوهم ، ولا تأسوا عليهم .


[697]:- في ب: يغالى.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

ثم ختم - سبحانه - هذا الحديث الجامع عن صفات المنافقين عند الشدائد والمحق فقال : { يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ } .

أى : أن هؤلاء المنافقين بلغ بهم الجبن والخور ، أنهم حتى بعد رحيل الأحزاب عن المدينة ، ما زالوا يحسبون ويظنون أنهم لم يذهبوا عنها ، فهم يأبون أن يصدقوا أن الله - تعالى - قد رد الذين كفروا بغيظهم دون أن ينالوا خيرا .

وفى هذه الجملة ما فيها من التهكم بالمنافقين ، حيث وصفتهم بأنهم حتى بعد ذهاب أسباب الخوف ، ما زالوا فى جبنهم يعيشون .

ثم بين - سبحانه - حالهم فيما لو عاد الأحزاب على سبيل الفرض والتقدير فقال : { وَإِن يَأْتِ الأحزاب } .

أى : إلى المدينة مرة ثانية .

{ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعراب } أى : وإن تعد جيوش الأحزاب إلى مهاجمة المدينة مرة ثانية ، يتمنى هؤلاء المنافقون ، أن يكونوا غائبين عنها ، نازلين خارجها مع أهل البوادى من الأعراب ، حتى لا يعرضوا أنفسهم للقتال .

فقوله : { بَادُونَ } جمع باد وهو ساكن البادية . يقال : بدا القوم بَدَّا ، إذا نزحوا من المدن إلى البوادى .

والأعراب : جمع أعرابى وهو من يسكن البادية .

ثم بين - سبحانه - تلهفهم على سماع الأخبار السيئة عن المؤمنين فقال : { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قاتلوا إِلاَّ قَلِيلاً } .

أى : هؤلاء المنافقون يسألون القادمين من المدينة ، والذاهبين إليها من أخباركم - أيها المؤمنون - حتى لكأنهم غير ساكنين فيها .

ولو كانوا فيكم عندما يعود الكافرون إلى المدينة - على سبيل الفرض - ما قاتلوا معكم إلا قتالا قليلا حتى لا ينكشف أمرهم انكشافا تاما . فهم لا يقاتلون عن رغبة ، وإنما يقاتلون رياء ومخادعة .

وهكذا نجد الآيات الكريمة قد أفاضت فى شرح الأحوال القبيحة التى كان عليها المنافقون عندما هاجمت جيوش الأحزاب المدينة ، ووصفتهم بأبشع الصفات وأبغضها إلى كل نفس كريمة ، حتى يحذرهم المؤمنون .

وكعادة القرآن الكريم فى المقارنة بين الأخيار والأشرار ، ساقت السورة بعد ذلك صورة مشرقة مضيئة للمؤمنين الصادقين ، الذين عندما رأوا جيوش الأحزاب قالوا : { هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ } والذين صدقوا ما عدوا الله عليه دون أن يبدلوا تبديلا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

9

فأما يوم الأحزاب فيمضي النص في تصويرهم صورة مضحكة زرية :

( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ) . .

فهم ما يزالون يرتعشون ، ويتخاذلون ، ويخذلون ! ويأبون أن يصدقوا أن الأحزاب قد ذهبت ، وأنه قد ذهب الخوف ، وجاء الأمان !

( وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ) . .

يا للسخرية ! ويا للتصوير الزري ! ويا للصورة المضحكة ! وإن يأت الأحزاب يود هؤلاء الجبناء لو أنهم لم يكونوا من أهل المدينة يوما من الأيام . ويتمنون أن لو كانوا من أعراب البادية ، لا يشاركون أهل المدينة في حياة ولا في مصير . ولا يعلمون - حتى - ما يجري عند أهلها . إنما هم يجهلونه ، ويسألون عنه سؤال الغريب عن الغريب ! مبالغة في البعد والانفصال ، والنجاة من الأهوال !

يتمنون هذه الأمنيات المضحكة ، مع أنهم قاعدون ، بعيدون عن المعركة ، لا يتعرضون لها مباشرة ؛ إنما هو الخوف من بعيد ! والفزع والهلع من بعيد ! ( ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) . .

وبهذا الخط ينتهي رسم الصورة . صورة ذلك النموذج الذي كان عائشا في الجماعة الإسلامية الناشئة في المدينة ؛ والذي ما يزال يتكرر في كل جيل وكل قبيل . بنفس الملامح ، وذات السمات . . ينتهي رسم الصورة وقد تركت في النفوس الاحتقار لهذا النموذج ، والسخرية منه ، والابتعاد عنه ، وهو انه على الله وعلى الناس .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدّواْ لَوْ أَنّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مّا قَاتَلُوَاْ إِلاّ قَلِيلاً } .

يقول تعالى ذكره : يحسب هؤلاء المنافقون الأحزاب ، وهم قريش وغطفان . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني يزيد بن رومان يَحْسَبُونَ الأحْزَابُ لَمْ يَذْهَبُوا قريش وغطفان .

وقوله : لَمْ يَذْهَبُوا يقول : لم ينصرفوا ، وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهَلعا منهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا قال : يحسبونهم قريبا .

وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا ، فإذَا وَجَدُوهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا وَدّوا لَوْ أنّهُمْ بادُونَ فِي الأعْرَابِ » .

وقوله : وَإنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدّوا لَوْ أنهُمْ بادُونَ فِي الأعْرابِ يقول تعالى ذكره : وإن يأت المؤمنين الأحزاب وهم الجماعة : واحدهم حزب يَوَدّوا يقول : يتمنوا من الخوف والجبن أنهم غيب عنكم في البادية مع الأعراب خوفا من القتل . وذلك أن قوله : لَوْ أنّهُمْ بادُونَ فِي الأعْرَابِ تقول : قد بدا فلان إذا صار في البدو فهو يبدو ، وهو باد وأما الأعراب : فإنهم جمع أعرابيّ ، وواحد العرب عربيّ ، وإنما قيل أعرابيّ لأهل البدو ، فرقا بين أهل البوادي والأمصار ، فجعل الأعراب لأهل البادية ، والعرب لأهل المصر .

وقوله : يَسأَلُونَ عَنْ أنْبائِكُمْ يقول : يستخبر هؤلاء المنافقون أيها المؤمنون الناس عن أنبائكم ، يعني عن أخباركم بالبادية ، هل هلك محمد وأصحابه ؟ نقول : يتمنون أن يسمعوا أخباركم بهلاككم ، أن لا يشهدوا معكم مشاهدكم . وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إلاّ قَلِيلاً يقول تعالى ذكره للمؤمنين : ولو كانوا أيضا فيكم ما نفعوكم ، وما قاتلوا المشركين إلاّ قليلاً . يقول : إلاّ تعذيرا ، لأنهم لا يقاتلونهم حسبة ولا رجاء ثواب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله يَسألَونَ عَنْ أنْبائِكُمْ قال : أخباركم . وقرأت قرّاء الأمصار جميعا سوى عاصم الجحدري : يَسأَلُونَ عَنْ أنْبائِكُمْ بمعنى : يسألون من قدم عليهم من الناس عن أنباء عسكركم وأخباركم ، وذكر عن عاصم الجحدري أنه كان يقرأ ذلك : «يَسّاءَلونَ » بتشديد السين ، بمعنى : يتساءلون : أي يسأل بعضهم بعضا عن ذلك .

والصواب من القول في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

الضمير في { يحسبون } للمنافقين ، والمعنى أنهم من الجزع والفزع بحيث رحل { الأحزاب } وهزمهم الله تعالى وهؤلاء يظنون أنها من الخدع وأنهم { لم يذهبوا } بل يريدون الكرة إلى غلب المدينة ، ثم أخبر تعالى عن معتقد هؤلاء المنافقين أن ودهم لو أتى الأحزاب وحاصروا المدينة أن يكونوا هم قد خرجوا إلى البادية في جملة { الأعراب } وهم أهل العمود والرحيل من قطر إلى قطر ، ومن كان من العرب مقيماً بأرض مستوطناً فلا يمسون أعراباً وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال ، وقرأ ابن عباس وطلحة بن مصرف «لو أنهم بُدّى في الأعراب » شديدة الدال منونة وهو جمع باد كغاز وغزى ، وروي عن ابن عباس «لو أنهم بدوا » ، وقرأ أهل مكة ونافع وابن كثير والحسن «يسألون » أي من ورد عليهم ، وقرأ أبو عمرو وعاصم{[9479]} والأعمش «يسلون » خفيفة بغير همز على نحو قوله { سل بني إسرائيل }{[9480]} [ البقرة : 211 ] وقرأ الجحدري وقتادة والحسن بخلاف عنه «يساءلون » أي يسأل بعضهم بعضاً . قال{[9481]} الجحدري «يتساءلون » ، ثم سلى الله تعالى عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا لما أغنوا ولما { قاتلوا إلا قتالاً قليلاً } لا نفع له ، قال الثعلبي هو قليل من حيث هو رياء من غير حسبة ولو كان الله لكان كثيراً .


[9479]:في رواية أبي بكر عنه.
[9480]:من قوله تعالى في الآية(211) من سورة (البقرة):{سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة}.
[9481]:هكذا في الأصل. ولعلها: وقرأ.