{ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ } أي : شباب من بني إسرائيل ، صبروا على الخوف ، لما ثبت في قلوبهم الإيمان .
{ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ } عن دينهم { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ } أي : له القهر والغلبة فيها ، فحقيق بهم أن يخافوا من بطشته .
{ و } خصوصًا { إِنَّهُ } كان { لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ } أي : المتجاوزين للحد ، في البغي والعدوان .
والحكمة -والله أعلم- بكونه ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ، أن الذرية والشباب ، أقبل للحق ، وأسرع له انقيادًا ، بخلاف الشيوخ ونحوهم ، ممن تربى على الكفر فإنهم -بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة- أبعد من الحق من غيرهم .
ثم انتقلت السورة الكريمة للحديث عن جانب مما دار بين موسى - عليه السلام - وبين قومه بني إسرائيل ، إثر الحديث عن جابر مما دار بينه وبين فرعون وملئه وسحرته فقال - تعالى - :
{ فَمَآ آمَنَ لموسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ . . . }
قال الجمل : " قوله - سبحانه - { فَمَآ آمَنَ لموسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ . . . } . لما ذكر الله - تعالى - ما أتى به موسى - عليه السلام - من المعجزات العظيمة الباهرة ، أخبر - سبحانه - أنه مع مشاهدة هذه المعجزات ، ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه . وإنما ذكر الله هذا تسلية لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه ، وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإِيمان به ، واستمرارهم على الكفر والتكذيب ، فبين الله له أن له أسوة بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - . لأن ما جاء به موسى من المعجزات ، كان أمرا عظيما . ومع ذلك فما آمن له إلا ذرية من قومه .
والآية الكريمة معطوفة على كلام محذوف يدل عليه السياق ، والتقدير : لقد أتى موسى - عليه السلام - بالمعزات التي تشهد بصدقه ، والتى على رأسها ، أن ألقى عصاه فإذا هي تتبلع ما فعله السحرة ، ومع كل تلك البراهين الدالى على صدقه ، فما آمن به إلا ذرية من قومه .
والمراد بالذرية هنا : العدد القليل من الشباب ، الذين آمنوا بموسى ، بعد أن تخلف عن الإِيمان آباؤهم وأغنياؤهم .
قال الآلوسى : قوله { إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } أى : إلا أولاد بعض بنى إسرائيل حيث دعا - عليه السلام - الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون ، وأجابته طائفة من شبابهم فالمراد من الذرية : الشبيان لا الأطفال .
والضمير في قوله { مِّن قَوْمِهِ } يعود لموسى - عليه السلام - وعليه يكون المعنى :
فما آمن لموسى - عليه السلام - في دعوته إلى وحدانية الله ، إلا عدد قليل من شباب قومه بنى إسرائيل ، الذين كانوا يعيشون في مصر ، والذين كان فرعون يسومهم سوء العذاب ، أما آباؤهم وأصحاب الجاه فيهم ، فقد انحازوا إلى فرعون طمعا في عطائه ، وخوفا من بطشه بهم .
ويرى بعض المفسرين أن الضمير في قوله { مِّن قَوْمِهِ } يعود إلى فرعون لا إلى موسى .
فيكون المعنى : فما آمن لموسى إلا عدد قليل من شباب قوم فرعون .
قال ابن كثير ما ملخصه مرجحا هذا الرأى : " يخبر الله - تعالى - أنه لم يؤمن بموسى - عليه السلام - مع ما جاء به الآيات والحجج ، إلا قليل من قوم فرعون ، من الذرية - وهم الشباب - ، على وجل وخوف منه ومن ملئه .
قال العوفى عن ابن عباس : " إن الذرية التي آمنت لموسى من قوم فرعون منهم : امرأته ، ومؤمن آل فرعون ، وخازنة ، وامرأة خازنه " .
ثم قال : " واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية ، أنها من بني إسرائيل ، لا من قوم فرعون . لعود الضمير على أقرب مذكور .
وفي هذا نظر ، لأن من المعروف أن بنى إسرائيل كلهم آمنوا بموسى . واستبشروا به ، فقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به .
وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إلا ذرية من قوم موسى وهم بنو إسرائيل ؟ .
والذي نراه أن ما اختاره ابن جرير من عودة الضمير إلى موسى - عليه السلام - أرجح ، لأن هناك نوع خفاء في إطلاق كلمة الذرية على من آمن من قوم فرعون ، ومنهم زوجته ، وامرأة خازنه .
ولأنه لا دليل على أن بنى إسرائيل كلهم قد آمنوا بموسى ، بل الحق أن منهم من آمن به ومنهم من كفر به ، كقارون والسامرى وغيرهما .
ولأن رجوع الضمير إلى موسى - هو الظاهر المتبادر من الآية ، لأنه أقرب مذكور ، وليس هناك ما يدعو إلى صرف الآية الكريمة عن هذا الظاهر .
ورحم الله ابن جرير فقد قال في ترجيحه لما ذهب إليه من دعوة الضمير إلى موسى - عليه السلام - ما ملخصه :
وأولى هذه الأقوال عندى بتأويل الآية ، القول الذي ذكرته عن مجاهد وهو أن الذرية في هذا الموضع ، أريد بها ذرية من أرسل إليه موسى من بنى إسرائيل ، وإنما قلت هذا القول أولى بالصواب ، لأنه لم يجر في هذه الآية ذكر لغير موسى ، فلأن تكون الهاء في قوله { مِّن قَوْمِهِ } من ذكر موسى لقربها من ذكره أولى من أن تكون من ذكر فرعون ، لبعد ذكره منها .
ولأن في قوله { على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } الدليل الواضح على أن الهاء في قوله { إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } من ذكر موسى لقربها من ذكره أولى من أن تكون من ذكر فرعون ، لبعد ذكره منها .
وقوله : { على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } الدليل الواضح على أن الهاء في قوله { إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } من ذكر موسى لا من ذكر فرعون ، لأنها لو كانت من ذكر فرعون لكان الكلام على خوف منه ، ولم يكن على خوف من فرعون . . "
وقوله : { على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ . . } حال من كلمة { ذرية } و { على } هنا بمعنى مع . والضمير في قوله { وَمَلَئِهِمْ } يعود إلى ملأ الذرية ، وهم كبار بني إسرائيل الذين لاذوا بفرعون طمعا في عطائه أو خوفا من عقابه ولم يتبعوا موسى - عليه السلام - .
والمعنى : فما آمن لموسى إلا عدد قليل من شباب قومه ، والحال أن إيمانهم كان مع خوف من فرعون ومن أشراف قومهم أن يفتنوهم عن دينهم ، أى : يعذبوهم ليحملوهم على ترك اتباع موسى - عليه السلام .
والضمير في { يفتنهم } يعود إلى فرعون خاصة ، لأنه هو الآمر بالتعذيب ولأن الملأ إنما كنوا يأتمرون بأمره ، وينتهون عن نهيه ، فهم كالآلة في يده يصرفها كيف يشاء .
وجملة { أَن يَفْتِنَهُمْ } في تأويل مصدر ، بدل اشتمال من فرعون ، أى : على خوف من فرعون فتنته .
وقوله : { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين } اعتراض تذييلي مؤكد لمضمون ما قبله ، ومقرر لطغيان فرعون وعتوه .
أى : وإن فرعون المتكبر متجبر في أرض مصر كلها ، وإنه لمن المسرفين المتجاوزين لكل حد في الظلم والبغى وادعاء ما ليس له .
ويسدل الستار هنا ليرفع على موسى ومن آمن معه وهم قليل من شباب القوم لا من شيوخهم ! . وهذا إحدى عبر القصة المقصودة .
( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ، على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم . وإن فرعون لعال في الأرض . وإنه لمن المسرفين . وقال موسى : يا قوم إن كنتم آمنتم باللّه فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين . فقالوا : على اللّه توكلنا ، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين . وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً ، واجعلوا بيوتكم قبلة ، وأقيموا الصلاة ، وبشر المؤمنين ) . .
ويفيد هذا النص أن الذين أظهروا إيمانهم وانضمامهم لموسى من بني إسرائيل كانوا هم الفتيان الصغار ، لا مجموعة الشعب الإسرائيلي . وأن هؤلاء الفتيان كان يخشى من فتنتهم وردهم عن اتباع موسى ، خوفاً من فرعون وتأثير كبار قومهم ذوي المصالح عند أصحاب ، والأذلاء الذين يلوذون بكل صاحب سلطة وبخاصة من إسرائيل . وقد كان فرعون ذا سلطة ضخمة وجبروت ، كما كان مسرفاً في الطغيان ، لا يقف عند حد ، ولا يتحرج من إجراء قاس .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىَ إِلاّ ذُرّيّةٌ مّن قَوْمِهِ عَلَىَ خَوْفٍ مّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرْضِ وَإِنّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فلم يؤمن لموسى مع ما أتاهم به من الحجج والأدلة إلا ذرية من قومه خائفين من فرعون وملئهم .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذرّية في هذا الموضع ، فقال بعضهم : الذرية في هذا الموضع : القليل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرّيّةٌ مِن قَوْمِهِ قال : كان ابن عباس يقول : الذرية : القليل .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرّيّةٌ مِن قَوْمِهِ الذرّيّة : القليل ، كما قال الله تعالى : كمَا أنْشأَكُمْ مِنْ ذُرّيّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ .
وقال آخرون : معنى ذلك : فما آمن لموسى إلا ذرية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل لطول الزمان لأن الاَباء ماتوا وبقي الأبناء ، فقيل لهم ذرّية ، لأنهم كانوا ذرية من هلك ممن أرسل إليهم موسى عليه السلام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرّيّةٌ مِن قَوْمِهِ قال : أولاد الذين أرسل إليهم من طول الزمان ومات آباؤهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرّيّةٌ مِن قَوْمِهِ قال : أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرّيّةٌ مِن قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أنْ يَفْتِنَهُمْ قال : أبناء أولئك الذين أرسل إليهم فطال عليهم الزمان وماتت آباؤهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما آمن لموسى إلا ذرّية من قوم فرعون . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرّيّةٌ مِن قَوْمِهِ على خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أنْ يَفْتِنَهُمْ قال : كانت الذرّية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون يسير ، منهم امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، وخازن فرعون ، وامرأة خازنه .
وقدرُوي عن ابن عباس خبر يدلّ على خلاف هذا القول ، وذلك ما :
حدثني به المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ذُرّيّةٌ مِنْ قَوْمهِ يقول : بني إسرائيل .
فهذا الخبر ينبىء عنه أنه كان يرى أن الذرّية في هذا الموضع هم بنو إسرائيل دون غيرهم من قوم فرعون .
وأولى هذه الأقوال عندي بتأويل الآية القول الذي ذكرته عن مجاهد ، وهو أن الذرية في هذا الموضع أريد بها ذرية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل ، فهلكوا قبل أن يقرّوا بنبوّته لطول الزمان ، فأدركت ذرّيتهم فآمن منهم من ذكر الله بموسى .
وإنما قلت هذا القول أولى بالصواب في ذلك لأنه لم يجر في هذه الآية ذكر لغير موسى ، فلأن تكون الهاء في قوله «من قومه » من ذكر موسى لقربهم من ذكره ، أولى من أن تكون من ذكر فرعون لبُعد ذكره منها ، إذ لم يكن بخلاف ذلك دليل من خبر ولا نظر .
وبعد ، فإن في قوله : عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ الدليل الواضح على أن الهاء في قوله : إلاّ ذُرّيّةٌ مِنْ قَوْمِهِ من ذكر موسى لا من ذكر فرعون لأنها لو كانت من ذكر فرعون لكان الكلام : «على خوف منه » ، ولم يكن على خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ .
وأما قوله : عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ فإنه يعني على حال خوف ممن آمن من ذرّية قوم موسى بموسى .
فتأويل الكلام : فما آمن لموسى إلا ذرّية من قومه من بني إسرائيل وهم خائفون من فرعون وملئهم أن يفتنوهم . وقد زعم بعض أهل العربية أنه إنما قيل : فما آمن لموسى إلا ذرّية من قومه ، لأن الذين آمنوا به إنما كانت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط ، فقيل لهم الذرّية من أجل ذلك ، كما قيل لأبناء الفرس الذين أمهاتهم من العرب وآباؤهم من العجم : أبناء . والمعروف من معنى الذرّية في كلام العرب : أنها أعقاب من نسبت إليه من قِبَل الرجال والنساء ، كما قال جلّ ثناؤه : ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوح وكما قال : وَمنْ ذُرّيَتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيمانَ وأيّوبَ وَيُوسُفَ ثم قال بعد : وَزَكَرِيّا وَيْحَيى وَعِيسَى وَإلَيْاسَ فجعل من كان من قِبَل الرجال والنساء من ذرّية إبراهيم .
وأما قوله : وَمَلَئِهِمْ فإن الملأ : الأشراف . وتأويل الكلام : على خوف من فرعون ومن أشرافهم .
واختلف أهل العربية فيمن عني بالهاء والميم اللتين في قوله : وَمَلَئِهِمْ فقال بعض نحويي البصرة : عني بها الذرّية . وكأنه وجه الكلام إلى : فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ، على خوف من فرعون ، وملأ الذرية من بني إسرائيل . وقال بعض نحويي الكوفة : عني بهما فرعون ، قال : وإنما جاز ذلك وفرعون واحد لأن الملك إذا ذكر لخوف أو سفر وقدوم من سفر ذهب الوهم إليه وإلى من معه . وقال : ألا ترى أنك تقول : قدم الخليفة فكثر الناس ، تريد بمن معه ، وقدم فغلت الأسعار ؟ لأنا ننوي بقدومه قدوم من معه . قال : وقد يكون يريد أن بفرعون آل فرعون ، ويحذف آل فرعون فيجوز ، كما قال : وَاسْئَل القَرْيَةَ يريد أهل القرية ، والله أعلم . قال : ومثله قوله : يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : الهاء والميم عائدتان على الذرية . ووجه معنى الكلام إلى أنه على خوف من فرعون ، وملأ الذرّية لأنه كان في ذرّية القرن الذين أرسل إليهم موسى من كان أبوه قبطيّا وأمه إسرائيلية ، فمن كان كذلك منهم كان مع فرعون على موسى . وقوله : أنْ يَفْتِنَهُمْ يقول : كان إيمان من آمن من ذرّية قوم موسى على خوف من فرعون أن يفتنهم بالعذاب ، فيصدّهم عن دينهم ، ويحملهم على الرجوع عن إيمانهم والكفر بالله . وقال : أنْ يَفْتِنَهُمْ فوحد ولم يقل : «أن يفتنوهم » ، لدليل الخبر عن فرعون بذلك أن قومه كانوا على مثل ما كان عليه لما قد تقدّم من قوله : عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ . وقوله : وَإنّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الأرْضِ يقول تعالى ذكره : وإن فرعون لجبار مستكبر على الله في أرضه . وإنّهُ لَمِنَ المُسْرِفِينَ وإنه لمن المتجاوزين الحقّ إلى الباطل ، وذلك كفره بالله وتركه الإيمان به وجحوده وحدانية الله وادّعاؤه لنفسه الألوهة وسفكه الدماء بغير حلها .
{ فما آمن لموسى } أي في مبدأ أمره . { إلا ذرية من قومه } إلا أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل دعاهم فلم يجيبوه خوفا من فرعون إلا طائفة من شبانهم ، وقيل الضمير ل { فرعون } والذرية طائفة من شبانهم آمنوا به ، أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية وخازنه وزوجته وماشطته { على خوف من فرعون وملئهم } أي مع خوف منهم ، والضمير ل { فرعون } وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء ، أو على أن المراد ب { فرعون } آله كما يقال : ربيعة ومضر ، أو للذرية أو للقوم . { أن يفتنهم } أن يعذبهم فرعون ، وهو بدل منه أو مفعول خوف وإفراده بالضمير للدلالة على أن الخوف من الملأ كان بسببه . { وإن فرعون لعالٍ في الأرض } لغالب فيها . { وإنه لمن المسرفين } في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء .