فإذا كان هذا شأنه ، وأنا قد اختارني واصطفاني لرسالته ، فحقيق علي أن لا أكذب عليه ، ولا أقول عليه إلا الحق . فإني لو قلت غير ذلك لعاجلني بالعقوبة ، وأخذني أخذ عزيز مقتدر .
فهذا موجب لأن ينقادوا له ويتبعوه ، خصوصا وقد جاءهم ببينة من اللّه واضحة على صحة ما جاء به من الحق ، فوجب عليهم أن يعملوا بمقصود رسالته ، ولها مقصودان عظيمان . إيمانهم به ، واتباعهم له ، وإرسال بني إسرائيل الشعب الذي فضله اللّه على العالمين ، أولاد الأنبياء ، وسلسلة يعقوب عليه السلام ، الذي موسى عليه الصلاة والسلام واحد منهم .
ثم بين له أنه بمقتضى هذه الرسالة لا يقول إلا كلمة الحق فقال : { حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق } أى : جدير بألا أقول على الله إلا القول الحق .
و { حَقِيقٌ } : صفة { رَسُولٌ } أو خبر لمبتدأ محذوف أى : أنا حقيق . أو خبر بعد خبر . و { عَلَى } بمعنى الباء .
وقرأ أبىّ " حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق " وقرأ عبد الله ابن مسعود " حقيق ألا أقول " .
وقرأ نافع " حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق " أى : واجب وحق على أن لا أخبر عنه - تعالى - إلا بما هو حق وصدق .
ثم قال : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } أى : قد جئتكم بحجة قاطعة من الله أعطانيها دليلا على صدقى فيما جئتكم به . وفى قوله { مِّن رَّبِّكُمْ } إشعار بأن ما جاء به من حجج وبراهين لم يكن من صنعه . وإنما هو من عند رب العالمين ، الذي بيده ملكوت كل شىء .
{ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ } أى : قد جئتكم ببينة عظيمة الشأن في الدلالة على صدقى . فأطلق بنى إسرائيل من أسرك واعتقهم من رقك وقهرك ، ودعهم يخرجون أحراراً من تحت سلطانك ليذهبوا معى إلى دار سوى دارك .
( حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق ) . .
فما كان الرسول الذي يعلم حقيقة الله ، ليقول عليه إلا الحق ، وهو يعلم قدره ؛ ويجد حقيقته - سبحانه - في نفسه . .
( قد جئتكم ببينة من ربكم ) . .
تدلكم على صدق قولي : إني رسول من رب العالمين .
وباسم تلك الحقيقة الكبيرة . . حقيقة الربوبية الشاملة للعالمين . . طلب موسى من فرعون أن يطلق معه بني إسرائيل . .
إن بني إسرائيل عبيد لله وحده ؛ فما ينبغي أن يعبدهم فرعون لنفسه ! إن الإنسان لا يخدم سيدين ، ولا يعبد إلهين . فمن كان عبداً لله ، فما يمكن أن يكون عبداً لسواه . وإذ كان فرعون إنما يعبد بني إسرائيل لهواه ؛ فقد أعلن له موسى أن رب العالمين هو الله . وإعلان هذه الحقيقة ينهي شرعية ما يزاوله فرعون من تعبيد بني إسرائيل !
إن إعلان ربوبية الله للعالمين هي بذاتها إعلان تحرير الإنسان . تحريره من الخضوع والطاعة والتبعية والعبودية لغير الله . تحريره من شرع البشر ، ومن هوى البشر ، ومن تقاليد البشر ، ومن حكم البشر .
وإعلان ربوبية الله للعالمين لا يجتمع مع خضوع أحد من العالمين لغير الله ؛ ولا يجتمع مع حاكمية أحد بشريعة من عنده للناس . . والذين يظنون أنهم مسلمون بينما هم خاضعون لشريعة من صنع البشر - أي لربوبية غير ربوبية الله - واهمون إذا ظنوا لحظة واحدة أنهم مسلمون ! إنهم لا يكونون في دين الله لحظة واحدة وحاكمهم غير الله ، وقانونهم غير شريعة الله . إنما هم في دين حاكمهم ذاك . في دين الملك لا في دين الله !
وعلى هذه الحقيقة أمر موسى - عليه السلام - أن يبني طلبه من فرعون إطلاق بني إسرائيل :
( يا فرعون إني رسول من رب العالمين ) . . . ( فأرسل معي بني إسرائيل ) . . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.