المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

127- وبعد أن شاهد فرعون وقومه ما شاهدوا - من ظهور أمر موسى وقوة غلبته وإيمان السحرة به - قال الكبراء من قومه : أنترك موسى وقومه أحرارا آمنين ، ليكون مآلهم أن يفسدوا قومك عليك في أرض مصر بإدخالهم في دينهم ، ويتركك مع آلهتك في غير مبالاة ، فيظهر للمصريين عجزك وعجزهم ؟ قال فرعون مجيبا لهم : سنقتل أبناء قومه تقتيلا ما تناسلوا ، ونستبقى نساءهم أحياء ، حتى لا يكون لهم قوة كما فعلنا من قبل ، وإنا مستعلون عليهم بالغلبة والسلطان قاهرون لهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

هذا وفرعون وملؤه وعامتهم المتبعون للملأ قد استكبروا عن آيات اللّه ، وجحدوا بها ظلما وعلوا ، وقالوا لفرعون مهيجين له على الإيقاع بموسى ، وزاعمين أن ما جاء باطل وفساد : { أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ } بالدعوة إلى اللّه ، وإلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، التي هي الصلاح في الأرض ، وما هم عليه هو الفساد ، ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون .

{ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } أي : يدعك أنت وآلهتك ، وينهى عنك ، ويصد الناس عن اتباعك .

ف { قَالَ } فرعون مجيبا لهم ، بأنه سيدع بني إسرائيل مع موسى بحالة لا ينمون فيها ، ويأمن{[325]} فرعون وقومه - بزعمه - من ضررهم : { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } أي : نستبقيهن فلا نقتلهن ، فإذا فعلنا ذلك أمنا من كثرتهم ، وكنا مستخدمين لباقيهم ، ومسخرين لهم على ما نشاء من الأعمال { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } لا خروج لهم عن حكمنا ، ولا قدرة ، وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة .


[325]:- كذا في ب، وفي أ: ويؤمن.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

وبعد هذا الحديث الذي ساقته السورة عما دار بين موسى وفرعون ، وبين موسى والسحرة ، والذى انتهى بإيمان السحرة برب العالمين بعد ذلك بدأت السورة تحكى لنا ما قاله الملأ من قوم فرعون بعد هزيمتهم المنكرة ، وما قاله موسى - عليه السلام - لقومه بعد أن بلغهم وعيد فرعون وتهديده لهم ، وما رد به قومه عليه مما يدل على سفاهتهم فقالت : { وَقَالَ الملأ . . . . } .

قوله - تعالى - { وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } .

أى : قال الزعماء والوجهاء من قوم فرعون له ، بعد أن أصابتهم الهزيمة والخذلان في معركة الطغيان والإيمان ، قالوا له على سبيل التهييج والإثارة : أتترك موسى وقومه أحراراً آمنين في أرضك ، ليفسدوا فيها بإدخال الناس في دينهم ، أو جعلهم تحت سلطانهم ورياستهم .

روى أنهم قالوا له ذلك بعد أن رأوا عدداً كبيراً من الناس ، قد دخل في الإيمان متبعاً السحرة الذين قالوا { آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } وقوله { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } معناه : أتتركهم أنت يعبدون رب موسى وهارون ، ويتركون عبادتك وعبادة آلهتك ، فيظهر للناس عجزك وعجزها ، فتكون الطامة الكبرى التي بها بفسد ملكك .

قال السدى : إن فرعون كان قد صنع لقومه أصناماً صغاراً وأمرهم بعبادتها ، وسمى نفسه الرب الأعلى .

وقال الحسن إنه كان يعبد الكواكب ويعتقد أنها المربية للعالم السفلى كله ، وهو رب النوع الإنسانى .

وقد قرىء { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } بالنصب والرفع أما النصب فعلى أنه معطوف على { لِيُفْسِدُواْ } وأما الرفع فعلى أنه عطف على { أَتَذَرُ } أو على الاستئناف ، أو على أنه حال بحذف المبتدأ أى : وهو يذرك .

والمتأمل في هذا الكلام الذي حكاه القرآن عن الملأ من قوم فرعون ، يراه يطفح بأشد ألوان التآمر والتحريض . فهم يخوفونه فقدان الهيبة والسلطان بتحطيم الأوهام التي يستخدمها السلطان ، لذا نراه يرد عليهم بمنطق الطغاة المستكبرين فيقول : { سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } .

أى : لا تخافوا ولا ترتاعوا أيها الملأ فإن قوم موسى أهون من ذلك ، وسننزل بهم ما كنا نفعله معهم من قبل وهو تقتيل الأبناء ، وترك النساء أحياء ، وإنا فوقهم غالبون كما كنا ما تغير شىء من حالنا ، فهم الضعفاء ونحن الأقوياء ، وهم الأذلة ونحن الأعزة .

فأنت ترى أن ما قاله الملأ من قوم فرعون هو منطق حاشية السوء في كل عهود الطغيان فهم يرون أن الدعوة إلى وحدانية الله إفساد في الأرض ، لأنها ستأتى على بنيانهم من القواعد . ولأنها هى الدعوة إلى وحدانية الله إفساد في الأرض ، لأنها ستأتى على بنيانهم من القواعد . ولأنها هى الدعوة إلى وحدانية الله التي ستحرر الناس من ظلمهم وجبرتهم ، وتفتح العيون على النور الذي يخشاه أولئك الفاسقون .

وترى أن ما قاله فرعون هو منطق الطغاة المستكبرين دائماً . فهم يلجأون إلى قوتهم المادية ليحموا بها آثامهم ، وشهواتهم ، وسلطانهم القائم على الظلم ، والبطش ، والمنافع الشخصية .

ويبلغ موسى وقومه هذا التهديد والوعيد من فرعون وملئه فماذا قال موسى - عليه السلام - ؟ لقد حكى القرآن عنه أنه لم يحفل بهذا التهديد بل أوصى قومه بالصبر ، ولوح لهم بالنصر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىَ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وقالت جماعة رجال من قوم فرعون لفرعون : أتدع موسى وقومه من بني إسرائيل ليفسدوا في الأرض ، يقول : كي يفسدوا خدمك وعبيدك عليك في أرضك من مصر ، وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ يقول : ويذرك : ويدع خدمتك موسى ، وعبادتك وعبادة آلهتك .

وفي قوله : وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ وجهان من التأويل : أحدهما أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركك وترك عبادتك وعبادة آلهتك ؟ وإذا وجه الكلام إلى هذا الوجه من التأويل كان النصب في قوله : وَيَذَرَكَ على الصرف ، لا على العطف به على قوله «ليفسدوا » . والثاني : أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وليذرك وآلهتك كالتوبيخ منهم لفرعون على ترك موسى ليفعل هذين الفعلين . وإذا وجه الكلام إلى هذا الوجه كان نصب : وَيَذَرَكَ على العطف على ليُفْسِدُوا .

والوجه الأوّل أولى الوجهين بالصواب ، وهو أن يكون نصب : وَيَذَرَكَ على الصرف ، لأن التأويل من أهل التأويل به جاء .

وبعد ، فإن في قراءة أُبيّ بن كعب الذي :

حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج عن هارون ، قال : في حرف أبيّ بن كعب : وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك .

دلالة واضحة على أن نصب ذلك على الصرف .

وقد روى عن الحسن البصريّ أنه كان يقرأ ذلك : وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ عطفا بقوله : وَيَذَرَكَ على قوله : أتَذَرُ مُوسَى كأنه وجّه تأويله إلى : أتذرُ موسى وقومه ويذرك وآلهتك ليفسدوا في الأرض ؟ وقد تحتمل قراءة الحسن هذه أن يكون معناها : أتذرُ موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وهو يذرُك وآلهتك ؟ فيكون «يذرُك » مرفوعا على ابتداء الكلام .

وأما قوله : وآلِهَتَكَ فإن قرّاء الأمصار على فتح الألف منها ومدّها ، بمعنى : وقد ترك موسى عبادتك وعبادة آلهتك التي تعبدها . وقد ذكر عن ابن عباس أنه كان له بقرةٌ يعبدوها . وقد رُوى عن ابن عباس ومجاهد أنهما كانا يقرآنها : «وَيَذَرَكَ وإلا هَتَكَ » بكسر الألف ، بمعنى : ويذرك وعبُودتك .

والقراءة التي لا نرى القراءة بغيرها ، هي القراءة التي عليها قرّاء الأمصار لإجماع الحجة من القراء عليها .

ذكر من قال : كان فرعون يعبُد آلهة على قراءة من قرأ : وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ وآلهته فيما زعم ابن عباس ، كانت البقرة كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها ، فلذلك أخرج لهم عجلاً وبقرة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن عمرو ، عن الحسن ، قال : كان لفرعون جُمَانة معلقة في نحره يعبدها ويسجد لها .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا أبان بن خالد ، قال : سمعت الحسن يقول : بلغني أن فرعون كان يعبد إلها في السرّ . وقرأ : «وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ » .

حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن أبي بكر ، عن الحسن ، قال : كان لفرعون إله يعبده في السرّ .

ذكر من قال معنى ذلك : ويذرك وعبادتك ، على قراءة من قرأ : «وإلاهتك » :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن عمرو ، عن الحسن ، عن ابن عباس : «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ » قال : إنما كان فرعون يُعبد ولا يعَبد .

قال ثنا أبي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه قرأ : «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ » قال : وعبادتك ، ويقول إنه كان يُعبد ولا يَعبد .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ » قال : يترك عبادتك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : «وإلاهَتَكَ » يقول : وعبادتك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ » قال : عبادتك .

حدثنا سعيد بن الربيع الرازي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن عمرو بن حسين ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ : «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ » وقال : إنما كان فرعون يُعبد ولا يَعبد .

وقد زعم بعضهم : أن من قرأ : «وإلاهَتَكَ » إنما يقصد إلى نحو معنى قراءة من قرأ : وآلِهَتَكَ غير أنه أنث وهو يريد إلها واحدا ، كأنه يريد «وَيَذَرَكَ وإلاهَكَ » ثم أنث الإله فقال : «وإلاهتك » .

وذكر بعض البصريين أن أعرابيا سُئِل عن الإلاهة فقال : «هي عَلَمة » يريد علما ، فأنث «العلم » ، فكأنه شيء نصب للعبادة يُعبد . وقد قالت بنت عتيبة بن الحارث اليربوعي :

تَرَوّحْنا منَ اللّعْباءِ عَصْرا ***وأعْجَلْنا الإلاهَةَ أنْ تَئُوبا

يعني بالإلاهة في هذا الموضع : الشمس . وكأن هذا المتأوّل هذا التأويل ، وجّه الإلاهة إذا أدخلت فيها هاء التأنيث ، وهو يريد واحد الاَلهة ، إلى نحو إدخالهم الهاء في وِلْدَتِي وكَوْكَبَتِي ومَاءَتي ، وهو أهْلَة ذاك ، وكما قال الراجز :

يا مُضَرُ الحَمْرَاءِ أنْتِ أُسْرَتِي ***وَأنْتِ مَلْجاتِي وأنْتِ ظَهْرَتي

يريد : ظهري . وقد بين ابن عباس ومجاهد ما أرادا من المعنى في قراءتهما ذلك على ما قرآ ، فلا وجه لقول هذا القائل ما قال مع بيانهما عن أنفسهما ما ذهبا إليه من معنى ذلك .

وقوله : قالَ سَنُقَتّلُ أبْناءَهُمْ يقول : قال فرعون : سنقتل أبناءهم الذكور من أولاد بني إسرائيل . وَنَسْتَحِيي نساءَهُمْ يقول : ونستبقي إناثهم . وَإنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ يقول : وإنا عالون عليهم بالقهر ، يعني بقهر الملك والسلطان . وقد بينا أن كلّ شيء عال بقهر وغلبة على شيء ، فإن العرب تقول : هو فوقه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

وقوله ملأ فرعون { أتذر موسى وقومه } مقالة تتضمن إغراء فرعون بموسى وقومه وتحريضه على قتلهم أو تغيير ما بهم حتى لا يكون لهم خروج عن دين فرعون ، ومعنى { أتذر موسى } : أتترك ، وقرأ جمهور الناس «ويذرَك » بفتح الراء ، ونصبه على معنيين : أحدهما أن يقدر «وأن يذرك » فهي واو الصرف فكأنهم قالوا أتذره ، وأن يذرك أي أتتركه وتركك ، والمعنى الآخر أن يعطف على قوله { ليفسدوا } وقرأ نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف عنه «ويذرُك » بالرفع عطفاً على قولهم { أتذر } ، وقرأ الأشهب العقيلي «ويذرْك » بإسكان الراء وهذا على التخفيف من يذرك ، وقرأ أنس بن مالك «وينذرُك » بالنون ورفع الفعل على معنى توعد منهم أو على معنى إخبار أن الأمر يؤول إلى هذا ، وقرأ أبي بن كعب وعبد الله «في الأرض » وقد تركوك أن يعبدوك «وآلهتك » قال أبو حاتم وقرأ الأعمش «وقد تركك وآلهتك » ، وقرأ السبعة وجمهور من العلماء «وآلهتك » على الجمع .

قال القاضي أبو محمد : وهذا على ما روي أن فرعون كان في زمنه للناس آلهة من بقر وأصنام وغير ذلك ، وكان فرعون قد شرع ذلك وجعل نفسه الإله الأعلى ، فقوله على هذا أنا ربكم الأعلى ، إنما هو بمناسبة بينه وبين سواه من المعبودات .

وقيل : إن فرعون كان يعبد حجراً كان يعلقه في صدره كياقوتة أو نحوها ، قال الحسن : كان لفرعون حنانة معلقة في نحره يعبدها ويسجد لها ، وقال سليمان التيمي : بلغني أنه كان يعبد البقر ، ذكره أبو حاتم وقرأ ابن عباس وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأنس بن مالك وجماعة وغيرهم ، { وآلهتك } أي وعبادتك والتذلل لك ، وزعمت هذه الفرقة : أن فرعون لم يبح عبادة شيء سواه وأنه في قوله الأعلى إنما أراد : و «يقتّلون » بالتشديد وخففهما جميعاً نافع وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي : «يقتّلون » و «سنقتّل » بالتشديد على المبالغة ، والمعنى سنستمر على ما كنا عليه من تعذيبهم وقطعهم .

وقوله تعالى : { وإنا فوقهم قاهرون } يريد في المنزلة والتمكن من الدنيا ، و { قاهرون } يقتضي تحقير أمرهم أي هم أقل من أن يهتم بهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

جملة : { قال الملأ } عطف على جملة : { قال فرعون آمنتم به } [ الأعراف : 123 ] أو على جملة { قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم } [ الأعراف : 109 ] . وإنما عطفت ولم تفصل لأنها خارجة عن المحاورة التي بين فرعون ومن آمن من قومه بموسى وآياته ، لأن أولئك لم يعرجوا على ذكر ملأ فرعون ، بل هي محاورة بين ملإ فرعون وبينه في وقت غير وقت المحاورة التي جرت بين فرعون والسحرة ، فإنهم لمّا رأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون ، ورأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون ، ورأوا نهوض حجتهم على فرعون وإفحامَه . وأنه لم يَحرْ جَوَاباً . راموا إيقاظ ذهنه ، وإسعارَ حميته ، فجاءوا بهذا الكلام المثير لغضب فرعون ، ولعلهم رأوا منه تأثراً بمعجزة موسى وموعظة الذين آمنوا من قومه وتوقعوا عدوله عن تحقيق وعيده ، فهذه الجملة معترضة بين ما قبلها وبين جملة : { قال موسى لقومه استعينوا بالله } .

والاستفهام في قوله : { أتذر موسى } مستعمل في الإغراء بإهلاك موسى وقومه والإنكار على الإبطاء بإتلافهم ، وموسى مفعول { تذر } أي تتركه متصرفاً ولا تأخذ على يده .

والكلام على فعل { تذر } تقدم في قوله : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً } في الأنعام ( 70 ) .

وقوم موسى هم من آمن به ، وأولئك هم بنوا إسرائيل كلهم ومَن آمن من القبط .

واللام في قوله : { ليفسدوا } لام التعليل وهو مبالغة في الإنكار إذ جعلوا ترك موسى وقومه معللاً بالفساد ، وهذه اللام تسمى لام العاقبة ، وليست العاقبة معنى من معاني اللام حقيقة ولكنها مجاز : شُبه الحاصل عقب الفعل لا محالة بالغرض الذي يفعل الفعل لتحصيله ، واستعير لذلك المعنى حرفُ اللام عوَضاً عن فاء التعقيب كما في قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [ القصص : 8 ] .

والإفساد عندهم هو إبطال أصول ديانتهم وما ينشأ عن ذلك من تفريق الجماعة وحث بني إسرائيل على الحرية ، ومغادرة أرض الاستعباد .

و { الأرض } مملكة فرعون وهي قطر مصر .

وقوله : { ويذَرَك } عطف على { ليفسدوا } فهو داخلي التعليل المجازي ، لأنّ هذا حاصل في بقائهم دون شك ، ومعنى تركهم فرعون ، تركهم تأليهه وتعظيمه ، ومعنى ترك آلهته نبذُهم عبادتَها ونهيُهم الناس عن عبادتها .

والآلهة جمع إله ، ووزنه أفعلة ، وكان القبط مشركين يعبدون آلهة متنوعة من الكواكب والعناصر وصوروا لها صوراً عديدة مختلفة باختلاف العصور والأقطار ، أشهرها ( فتاح ) وهو أعظمها عندهم وكان يُعبد بمدينة ( مَنْفيس ) ، ومنها ( رع ) وهو الشمس وتتفرع عنه آلهة باعتبار أوقات شعاع الشمس ، ومنها ( ازيريس ) و ( إزيس ) و ( هوروس ) وهذا عندهم ثالوث مجموع من أب وأم وابن ، ومنها ( توت ) وهو القمر وكان عندهم رب الحكمة ، ومنها ( أمُون رع ) فهذه الأصنام المشهورة عندهم وهي أصل إضلال عقولهم .

وكانت لهم أصنام فرعية صغرى عديدة مثل العجل ( إيبيس ) ومثل الجعران وهو الجُعل .

وكان أعظم هذه الأصنام هو الذي ينتسب فرعونُ إلى بُنوتهِ وخدمته ، وكان فرعون معدوداً ابنَ الآلهة وقد حلت فيه الإلهية على نحو عقيدة الحلول ، ففرعون هو المنفذ للدين ، وكان يعد إله مصر ، وكانت طاعته طاعة للآلهة كما حكى الله تعالى عنه : { فقال أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] { ما علمْتُ لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] . وتوعُد فرعون موسى وقومه بالاستئصال بقتل الأبناء والمراد الرجال بقرينة مقابلته بالنساء ، والضمير المضاف إليه عائد على موسى وقومه ، فالإضافة على معنى ( من ) التبعيضية .

وقرأ نافع وابن كثير ، وأبو جعفر : { سنقتل } بفتح النون وسكون القاف وضم التاء وقرأه البقية بضم النون وفتح القاف وتشديد التاء للمبالغة في القتل مبالغة كثرة واستيعاب .

والاستحياء : مبالغة في الإحياء ، فالسين والتاء فيه للمبالغة ، وإخباره ملأه باستحياء النساء تتميم لا أثر له في إجابة مقترح ملئه ، لأنهم اقترحوا عليه أن لا يُبقي موسى وقومه فأجابهم بما عزم عليه في هذا الشأن ، والغرض من استبقاء النساء أن يتخذوهن سراري وخدماً .

وجملة : { وإنّا فوقهم قاهرون } اعتذار من فرعون للملإ من قومه عن إبطائه باستئصال موسى وقومه ، أي : هم لا يقدرون أن يفسدوا في البلاد ولا أن يخرجوا عن طاعتي والقاهر : الغالب بإذلال .

و { فوقهم } مستعمل مجازاً في التمكن من الشيء وكلمة { فوقهم } مستعارة لاستطاعة قهرهم لأن الاعتلاء على الشيء أقوى أحوال التمكن من قهره ، فهي تمثيلية .