المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

31- قل : إن كنتم صادقين في دعواكم أنكم تحبون الله وتريدون أن يحبكم الله فاتبعوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، لأنني مبلغ عن الله ، فإن ذلك يحبكم الله به ، ويثيبكم الله عليه بالإحسان إليكم والتجاوز عن خطاياكم ، والله كثير الغفران والرحمة لعباده .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

وهذه الآية فيها وجوب محبة الله ، وعلاماتها ، ونتيجتها ، وثمراتها ، فقال { قل إن كنتم تحبون الله } أي : ادعيتم هذه المرتبة العالية ، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى ، بل لابد من الصدق فيها ، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ، في أقواله وأفعاله ، في أصول الدين وفروعه ، في الظاهر والباطن ، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى ، وأحبه الله وغفر له ذنبه ، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته ، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى ، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله ، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها ، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها ، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق ، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله ، وما نقص من ذلك نقص .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

ثم أمر الله - تعالى - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرشد الناس إلى الطريق الذى متى سلكوه كانوا حقا محبين لله ، وكانوا ممن يحبهم - سبحانه - فقال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } .

قال بعضهم : عن الحسن البصرى قال : قال قوم على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يا محمد إنا نحب ربنا ، فأنزل الله الآية ، وروى محمد بن إسحاق عن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : " نزلت في نصارى نجران وذلك أنهم قالوا : إنما نعظم المسيح ونعبده حبا لله وتعظيما له فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم ومحبة العباد لله - كما يقول الزمخشرى - مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها ، ومحبة الله عباده أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم . والمعنى : قل يا محمد للناس على سبيل الإرشاد والتبيين : إن كنتم تحبون الله حقا كما تدعون ، فاتبعوني ، فإن اتباعكم لى يؤدى إلى محبة الله لكم ، وإلى غفرانه لذنوبكم ، وذلك لأن محبة الله ليست دعوة باللسان ، وإنما محبة الله تتحقق باتباع ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذى أرسله رحمة للعالمين .

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية ، بأنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدى ، والدين النبوى في كل أقواله وأعماله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

وقوله { يُحْبِبْكُمُ } جواب الأمر ، وهو قوله { فاتبعوني } . وهذا رأى الخليل .

ويرى أكثر المتأخرين من النحاة أن قوله " يحببكم الله " جواب لشرط مقدر دل عليه المقام والتقدير : إن كنتم تحبون الله فاتبعونى ، وإن اتبعتمونى يحببكم الله ، أى يمنحكم الثواب الجزيل ، والأجر العظيم ، والرضا الكبير .

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن أول علامات محبة العبد لربه ، هى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وأن هذا الاتباع يؤدى إلى محبة الله - تعالى - لهذا العبد وإلى مغفرة ذنوبه .

ومحبة الله لعبده هى منتهى الأمانى ، وغاية الآمال ، ولذا قال بعض الحكماء : " ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تُحب " . ومحبة الله إنما تتأتى بإخلاص العبادة والوقوف عند حدوده والاستجابة لتعاليم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكل من يدعي أنه محب لله وهو معرض عن أوامره ونواهيه فهو كاذب فى دعواه كما قال الشاعر الصوفى :

تعصى الإله وأنت تظهر حبه . . . هذا لعمرى في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته . . . إن المحب لمن يحب مطيع

ثم ختم - سبحانه - الآية بوصفين جليلين فقال : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى أنه - سبحانه - كثير الغفران والرحمة لمن تقرب إليه بالطاعة ، واتبع رسوله فيما جاء به من عنده .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ }

اختلف أهل التأويل في السبب الذي أنزلت هذه الاَية فيه ، فقال بعضهم : أنزلت في قوم قالوا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم : إنا نحبّ ربنا ، فأمر الله جلّ وعزّ نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : «إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِيما تَقُولُونَ فاتّبِعُونِي ، فَإِنّ ذَلِكَ عَلامَةُ صِدْقِكُمْ فِيما قُلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ » . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، عن بكر بن الأسود ، قال : سمعت الحسن يقول : قال قوم على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم : يا محمد إنا نحبّ ربنا ! فأنزل الله عزّ وجلّ : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللّهَ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } فجعل اتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم علما لحبه ، وعذاب من خالفه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عليّ بن الهيثم ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن أبي عبيدة ، قال : سمعت الحسن ، يقول : قال أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد إنا لنحبّ ربنا ! فأنزل الله جلّ وعزّ بذلك قرآنا : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } فجعل الله اتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم علما لحبه ، وعذاب من خالفه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهَ } قال : كان قوم يزعمون أنهم يحبون الله ، يقولون : إنا نحبّ ربنا ، فأمرهم الله أن يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وجعل اتباع محمد علما لحبه .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ } . . . الاَية ، قال : إن أقواما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعمون أنهم يحبون الله ، فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل ، فقال : { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ } . . . الاَية . كان اتباع محمد صلى الله عليه وسلم تصديقا لقولهم .

وقال آخرون : بل هذا أمر من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لوفد نجران الذين قدموا عليه من النصارى : إن كان الذي يقولونه في عيسى من عظيم القول إنما يقولونه تعظيما لله وحبا له ، فاتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير . { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ } أي إن كان هذا من قولكم يعني في عيسى حبا لله وتعظيما له { فَاتّبِعُونِي يُحبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي ما مضى من كفركم { وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .

قال أبو جعفر : وأولى القولين بتأويل الاَية ، قول محمد بن جعفر بن الزبير ، لأنه لم يجز لغير وفد نجران في هذه السورة ، ولا قبل هذه الاَية ذكر قوم ادّعوا أنهم يحبون الله ، ولا أنهم يعظمونه ، فيكون قوله : { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي } جوابا لقولهم على ما قاله الحسن .

وأما ما روى الحسن في ذلك مما قد ذكرناه ، فلا خبر به عندنا يصحّ ، فيجوز أن يقال : إن ذلك كذلك ، وإن لم يكن في السورة دلالة على أنه كما قال إلا أن يكون الحسن أراد بالقوم الذين ذكر أنهم قالوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران من النصارى ، فيكون ذلك من قوله نظير إخبارنا ، فإذا لم يكن بذلك خبر على ما قلنا ، ولا في الاَية دليل على ما وصفنا ، فأولى الأمور بنا أن نلحق تأويله بالذي عليه الدلالة من آي السورة ، وذلك هو ما وصفنا ، لأن ما قبل هذه الاَية من مبتدإ هذه السورة وما بعدها خبر عنهم ، واحتجاج من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ودليل على بطول قولهم في المسيح ، فالواجب أن تكون هي أيضا مصروفة المعنى إلى نحو ما قبلها ، ومعنى ما بعدها .

فإذ كان الأمر على ما وصفنا ، فتأويل الاَية : قل يا محمد للوفد من نصارى نجران : إن كنتم تزعمون أنك تحبون الله ، وأنكم تعظمون المسيح وتقولون فيه ما تقولون ، حبا منكم ربكم ، فحققوا قولكم الذي تقولونه ، إن كنتم صادقين باتباعكم إياي ، فإنكم تعلمون أني لله رسول إليكم ، كما كان عيسى رسولاً إلى من أرسل إليه ، فإنه إن اتبعتموني وصدقتموني على ما أتيتكم به من عند الله ، يغفر لكم ذنوبكم ، فيصفح لكم عن العقوبة عليها ويعفو لكم عما مضى منها ، فإنه غفور لذنوب عباده المؤمنين رحيم بهم وبغيرهم من خلقه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

اختلف المفسرون فيمن أمر محمداً عليه السلام أن يقول له هذه المقالة ، فقال الحسن بن أبي الحسن وابن جريج : إن قوماً قالوا للنبي عليه السلام :

يا محمد إنا نحب ربنا ، فنزلت هذه الآية في قولهم ، جعل الله فيها أتباع محمد علماً لحبه ، وقال محمد بن جعفر بن الزبير : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول لنصارى نجران ، أي إن كان قولكم في عيسى وغلوكم في أمره حباً لله ، { فاتبعوني } ويحتمل أن تكون الآية عامة لأهل الكتاب اليهود والنصارى لأنهم كانوا يدعون أنهم يحبون الله ويحبهم ، ألا ترى أن جميعهم قالوا { نحن أبناء الله وأحباؤه }{[3092]} ولفظ أحباؤه إنما يعطي أن الله يحبهم لكن يعلم أن مرادهم " ويحبوه " {[3093]} فيحسن أن يقال لهم { قل إن كنتم تحبون الله } وقرأ الزهري

«فاتبعوني » بتشديد النون ، وقرأ أبو رجاء «يحببكم » بفتح الياء وضم الباء الأولى من «حب » وهي لغة ، قال الزجاج : حببت قليلة في اللغة{[3094]} ، وزعم الكسائي أنها لغة قد ماتت وعليها استعمل محبوب والمحبة إرادة يقترن بها إقبال من النفس وميل بالمعتقد ، وقد تكون الإرادة المجردة فيما يكره المريد والله تعالى يريد وقوع الكفر ولا يحبه ، ومحبة العبد لله تعالى يلزم عنها ولا بد أن يطيعه وتكون أعماله بحسب إقبال النفس ، وقد تمثل بعض العلماء حين رأى الكعبة فأنشد{[3095]} : [ الخفيف ]

هذِهِ دارُهُ وأَنْتَ مُحِبٌّ . . . مَا بَقَاءُ الدُّموعِ في الآمَاقِ

ومحبة الله للعبد أمارتها للمتأمل أن يرى العبد مهدياً مسدداً ذا قبول في الأرض ، فلطف الله بالعبد ورحمته إياه هي ثمرة محبته ، وبهذا النظر يتفسر لفظ المحبة حيث وقعت من كتاب الله عز وجل ، وذكر الزجاج : أن أبا عمرو قرأ «يغفر لكم » بإدغام الراء في اللام وخطأ القراء وغلط من رواها عن أبي عمرو فيما حسبت .


[3092]:- من الآية (18) من سورة المائدة.
[3093]:- هكذا هو في جميع النسخ، ولعل الصواب "ومحبوه".
[3094]:- على هذه اللغة جاء قول الشاعر: أحب أبا ثروان من حب تمره وأعلم أن الرفق بالجار أرفق. ووالله لولا تمره ما حببتــه ولا كان أدنى من عبيد ومشرق
[3095]:-هذا البيت من قطعة انشدها أبو الفضل الجوهري لما أشرف على المدينة، ونسبها صاحب نفح الطيب للشبلي 1/40، وورد البيت في قطعة أخرى غير منسوبة 1/45 وكأنه مضمّن فيها؛ ولم يرد من القطعة الأولى في ديوان الشبلي إلا البيت الوارد هنا (ص: 113) نقلا عن "تلبيس إبليس" لابن الجوزي.