المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (107)

107- ومن المنافقين جماعة بنوا مسجدا لا يبتغون به وجه اللَّه ، وإنما يبتغون به الضرار والكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين ، وأنهم سيحلفون على أنهم ما أرادوا ببناء هذا المسجد إلا الخير والعمل الأحسن ، واللَّه يشهد عليهم أنهم كاذبون في أيمانهم{[85]} .


[85]:المسجد المذكور في الآية قد أقامته طائفة من المنافقين بالمدينة، يريدون الشر، فقد أزعجهم بناء مسجد قباء الذي شيده بنو عمرو بن عوف وباركه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة فيه، فحرض عامر الراهب هؤلاء المنافقين ليبنوا مسجدا يفاخرون به من بنوا مسجد قباء، فتكون العصبية الجاهلية موضوعها التفاخر بالمساجد، وليتخذوه وكرا لاجتماعهم وتبييت الشر للمؤمنين، وبعد تمام بنائه دعوا الرسول صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه ليتخذوا من صلاته فيه مادة للعصبية والتفريق، وهم أن يجيب غير عالم بما يبيتون، لكن الله تعالى أعلمه بذلك عند عودته من غزوة تبوك واعتزامه أن يجيب دعوتهم، فنهاه ـ سبحانه وتعالى ـ عن أن يقوم فيه فضلا عن أن يصلي فيه.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (107)

{ 107 - 110 } { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

كان أناس من المنافقين من أهل قباء اتخذوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء ، يريدون به المضارة والمشاقة بين المؤمنين ، ويعدونه لمن يرجونه من المحاربين للّه ورسوله ، يكون لهم حصنا عند الاحتياج إليه ، فبين تعالى خزيهم ، وأظهر سرهم فقال : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ْ } أي : مضارة للمؤمنين ولمسجدهم الذي يجتمعون فيه { وَكُفْرًا ْ } أي : قصدهم فيه الكفر ، إذا قصد غيرهم الإيمان .

{ وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ْ } أي : ليتشعبوا ويتفرقوا ويختلفوا ، { وَإِرْصَادًا ْ } أي : إعدادا { لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ْ } أي : إعانة للمحاربين للّه ورسوله ، الذين تقدم حرابهم واشتدت عداوتهم ، وذلك كأبي عامر الراهب ، الذي كان من أهل المدينة ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر إلى المدينة ، كفر به ، وكان متعبدا في الجاهلية ، فذهب إلى المشركين يستعين بهم على حرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .

فلما لم يدرك مطلوبه عندهم ذهب إلى قيصر بزعمه أنه ينصره ، فهلك اللعين في الطريق ، وكان على وعد وممالأة ، هو والمنافقون . فكان مما أعدوا له مسجد الضرار ، فنزل الوحي بذلك ، فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يهدمه ويحرقه ، فهدم وحرق ، وصار بعد ذلك مزبلة .

قال تعالى بعدما بين من مقاصدهم الفاسدة في ذلك المسجد { وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا ْ } في بنائنا إياه { إِلَّا الْحُسْنَى ْ } أي : الإحسان إلى الضعيف ، والعاجز والضرير .

{ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ْ } فشهادة اللّه عليهم أصدق من حلفهم .