بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (107)

قوله تعالى :

{ والذين اتخذوا مَسْجِدًا ضِرَارًا } ، يعني : بنوا مسجداً مضرة للمسلمين . وقال القتبي : يعني مضارة ، ليضاروا به مخالفيهم ، ليدخلوا عليهم المضرة ، { وَكُفْراً } ؛ يعني : وإظهاراً للكفر ، { وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المؤمنين } . قرأ نافع وابن عامر { الذين اتخذوا } بغير واو ، وقرأ الباقون بالواو ؛ ومعناهما واحد ، إلا أن الواو للعطف . نزلت الآية في سبعة عشر من المنافقين من بني غنم بن عوف ، قالوا : تعالوا نبني مسجداً ، يكون فيه متحدثنا ومجمع رأينا . فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه أن يأذن لهم في بناء المسجد ، وقالوا : قد بعُد علينا المسير إلى الصلاة معك ، فتفوتنا الصلاة ، فاذن لنا أن نبني مسجداً لذوي العلّة والليلة المطيرة . فأذن لهم ، وكانوا ينظرون رجوع أبي عامر الراهب من الشام ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقاً ، وقال : « لا تَقُولُوا رَاهِبٌ ولكن قُولُوا فَاسِقٌ » وقد كان آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم مرتين ثم رجع عن الإسلام ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات كافراً .

فلما ظهر أمرهم ونفاقهم ، جاؤوا يحلفون { إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى } أي أردنا ببناء المسجد فنزل { والذين اتخذوا مَسْجِدًا ضِرَارًا } يعني : بنوا المسجد للضرار والكفر وللتفريق بين المؤمنين لكي يصلي بعضهم في مسجد قباء وبعضهم في مسجدهم ، وليجتمع الناس إلى مسجدهم ويتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . { وَإِرْصَادًا لّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ } ، يعني : انتظاراً لمن هو كافر بالله ورسوله من قبل بناء المسجد ، أن يقدم عليهم من قبل الشام ، وهو أبو عامر الراهب . { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى } ، أي ما أردنا ببناء المسجد إلاَّ صواباً ، لكيلا تفوتنا الصلاة بالجماعة ، ولكي يرجع أبو عامر فيسلم . { والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لكاذبون } فيما حلفوا ، وإنَّما اجتمعوا فيه لإظهار النفاق والكفر .