وأما الجماعة المرادة ب{ الذين اتخذوا مَسْجِدًا } ، فهم منافقو بني غَنْم بن عَوْف ، وبني سَالمِ بنِ عَوْف ، وأسند الطبريُّ ، عن ابن إِسحاق ، عن الزُّهْرِيِّ وغيره ، أنه قال : أَقْبَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من غزوة تَبُوكَ ، حتى نَزَلَ بذي أَوَانَ - بلدٌ بينه وبين المدينةِ ساعةٌ من نهار وكان أصحابُ مسجِدِ الضِّرَارِ ، قد أَتَوهُ صلى الله عليه وسلم وهو يتجهَّز إِلى تبوكِ ، فقالوا : يا رسُولَ اللَّهِ ؛ إنا قد بَنَيْنَا مسَجِداً ؛ لِذِي العِلَّة والحاجة واللَّيْلَة المَطِيرة ، وإِنا نُحِبُّ أَن تأتينا فتصلِّي لنا فيه ، فقال : ( إِنِّي على جَنَاحِ سَفَرٍ ، وَحَالِ شُغْلٍ ، وَلَوْ قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَتَيْنَاكُمْ ، فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ ) ، فَلَمَّا قَفَلَ ، وَنَزَلَ بِذِي أوَان ، نَزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ في شَأْنِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُنِ وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ ، أو أخاهُ عاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ ، فَقالَ : ( انطلقا إِلَى هَذَا المَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ ، فاهدماه ، وَحَرِّقَاه ) فانطلقا مُسْرِعَيْنِ فَفَعَلاَ وَحَرَقَاهُ ، وذكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث لِهَدْمِهِ وتحريقه عَمَّار بن ياسر وَوَحْشِيًّا مَوْلَى المُطْعم بن عَدِيِّ ، وكان بَانُوهُ اثني عَشَرَ رَجُلاً ، منهم ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ ، ومُعْتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، ونَبْتَلُ بْنُ الحَارِثِ وغيرهم ، وروي أنه لما بنى صلى الله عليه وسلم مَسْجداً في بني عمرو بن عوف وقْتَ الهِجْرَة ، وهو مَسْجِدُ «قُبَاءٍ » وتشرَّفَ القومُ بذلك ، حَسَدَهم حينئذٍ رجالٌ من بني عَمِّهم من بني غَنْم بْنِ عَوْفٍ ، وبني سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، وكان فيهم نفاقٌ ، وكان موضعُ مَسْجِدِ «قُبَاءٍ » مربطاً لحمارِ امرأة من الأنصار ، اسمها : لَيَّةُ ، فكان المنافقُونَ يقولُونَ : واللَّه لا نَصْبِرُ على الصَّلاة في مَرْبَطِ حمارِ لَيَّةَ ، ونحو هذا من الأقوال ، وكان أبو عامرٍ المعروفُ بِالرَّاهِبِ منهم ، وهو أبو حنظلة غسيلِ الملائكةِ ، وكان سيِّداً من نظراء عبدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ ، فلما جاء اللَّهُ بالإِسلام ، نافق ، ولم يَزَلْ مجاهراً بذلك ، فسمَّاه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الفاسِق ، ثم خرج في جماعة من المنافقينَ ، فَحَزَّبَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم الأحزاب ، فلما ردَّهم اللَّه بغَيْظهم ، أقام أبو عامر ب«مكة » مظهراً لعداوته ، فلما فتح اللَّه «مكة » ، هَرَبَ إِلى «الطائف » ، فلما أسلم أهْلُ الطائف ، خرج هارباً إِلى الشام ، يريد قَيْصَرَ مستنصراً به عَلى رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وكتب إلى المنافقين من قومه أَن ابنوا مسجداً ، مقاومةً لمسجد «قُبَاء » ، وتحقيراً له ، فإِني سآتي بِجَيْشٍ من الرومِ ، أُخْرِجُ به محمَّداً ، وأصحابه من «المدينة » ، فبَنُوهُ وقالوا : سيأتي أبو عامرٍ ويصلي فيه ، فذلك قوله : { وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ } يعني : أبا عامر ، وَقَوْلَهُمْ : سيأتي أبو عامر ، وقوله : { ضِرَارًا } أي : داعيةً للتضارُرِ من جماعتين .
وقوله : { وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المؤمنين } [ التوبة : 107 ] .
يريدُ : تفريقاً بين الجماعة التي كانَتْ تصلِّي في مسجد «قباء » ، فإن مَنْ جاور مَسْجدهم كانوا يَصْرِفُونه إليه ، وذلك داعيةٌ إلى صرفه عن الإِيمان ، وقيل : أراد بقوله : { بَيْنَ المؤمنين } جماعةَ مسجدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وروي : أنَّ مسجد الضِّرار ، لَمَّا هدم وأُحرِق ، اتخذ مزبَلَةً ترمى فيه الأقذار والقِمَامَات ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.