جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (107)

{ والذين اتخذوا مسجدا } مبتدأ خبره محذوف أي : وفيمن وصفنا من المنافقين الذين اتخذوا أو منصوب على الاختصاص ، { ضرارا } مفعول له أو مصدر محذوف الفعل ، أي مضارة للمؤمنين ، { وكفرا } أي : تقوية للكفر ، { وتفريقا بين المؤمنين } فإنهم يجتمعون في مسجد قباء فأرادوا افتراقهم ، { وإرصادا } ترقبا ، { لمن حارب الله ورسوله } أبي عامر الراهب ، { من قبل } ، متعلق بحارب{[2077]} ، { وليحلفن إن أردنا } ، أي : ما أردنا ببنائه ، { إلا الحسنى } ، أي : إلا الخصلة الحسنى وهي الصلاة فيه والتوسعة على المسلمين ، { ولله يشهد إنهم لكاذبون } في حلفهم كان بالمدينة أبو عامر الراهب تنصر في الجاهلية وما آمن بمحمد عليه السلام وبعد البدر التحق بقريش وحثهم على المحاربة وكان معهم في أحد ثم ذهب إلى عظيم الروم وكتب إلى أعوانه من المنافقين يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش لمحاربة الإسلام وأمرهم ببناء مسجد له فبنوا مسجد الضرار إلى جنب مسجد قباء إرصادا لرجوعه من القيصر فلما أتموا بناءه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من تبوك وقالوا : أتممنا مسجدا للضعفاء وأهل العلة والليلة المطيرة نلتمس أن تصلي فيه وتدعوا بالبركة فنزلت في تكذيبهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدمه فهدموه وأحرقوه{[2078]} .


[2077]:فإن الراهب مل يزال يحارب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلى يوم حنين كذا قله محي السنة /منه.
[2078]:فيه تحريق أمكنة المعصية التي يعصي الله ورسوله فيها وهدمها كما حرق رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مسجد الضرار وأمر بهدمه وهو مسجد يصلي فيه يذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضرارا وتفريقا بين المؤمنين ومأوى للمنافقين، وكل مكان هدا شأنه فواجب على الإمام تعطيله إما بهدم وتحريق وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع من له، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار فمشاهد الشرك التي يدعو سدنتها إلى اتخاذ فيها من فيها أندادا أحق بذلك وواجب وكذلك محال المعاصي والفسوق كالخانات وبيوت الخمارين وأرباب المنكرات، وقد حرق عمر بن الخطاب قرية بكمالها يباع فيها الخمر وحرق حانوت رويشد الثقفي وسماه فويسقا، وأحرق قصر سعد عليه ملما احتجب فيه عن الرعية، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تارك حضور الجماعة والجمعة، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا يجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك هذا ما قاله الحافظ شمس الدين ابن قيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، وأيضا قال فيه: وهدم مواضيع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت أحب إلى الله ورسوله وأنفع للإسلام و المسلمين من هدم الحانات و المواخر وهذه المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله تعالى ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام ويجب هدمها ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها وللإمام أن يقطعها لجند الإسلام ويستعين بها على مصالح المسلمين كما أخذ النبي- صلى الله عليه وسلم- بيوت هذه الطواغيت وكذلك ما فيها من الآلات والمتاع والنذور التي تساق إليها يضاهي لها الهدايا التي تساق البيت للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين، كما أخذ النبي – صلى الله علي وسلم- أموال بيوت هذه الطواغيت وصرفها في مصالح الإسلام وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد سواء من النذور لها والتبرك بها والتمسح بها وتقبيلها واستلامها، هذا شرك القوم بها ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات والأرض؛ بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه انتهى بلفظه.