تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (107)

وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ) عن ابن عباس رضي الله عنه أن المنافقين اتخذوا مسجدا ، فلما فرغوا منه جاؤوا إلى نبي الله ، وهو يتجهز لغزوة تبوك ، فقالوا يا رسول الله بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة واللية المطيرة ، وإنا نحب يا رسول الله أن تأتينا ، فتصلي فيه ، قال رسول الله : أنا على سفر وحال شغل ، ولو قدمنا من سفرنا آتيناكم ، فصلينا لكم فيه ، إن شاء الله ، فأنول الله على رسوله : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً ) الآية أخبر يه أنهم لم يقصدوا ببناء مسجدهم ذلك ما ذكروا أنا بنيناه لذل العلة والحاجة والليلة المطيرة والإشفاق على الدين وحفظ الصلاة بالجماعة ، ولكن يقصدون به ضَرّاً وكفرا وتفريقا بين المؤمنين .

وقوله تعالى : ( مسجدا ضرارا ) بين المؤمنين ، يكون قوه : ( وتفريقا بين المؤمنين ) تفسيرا لقوله ( ضرارا ) تفسير لقوله ( ضرارا ) يقصدون ببناء المسجد ( الذين بنوا زينة )[ التوبة : 110 ] أن يفرقوا بين المؤمنين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا جاءهم العدو وجدهم متفرقين ، فيكون أيسر وأهون عليهم في الكسر عليهم والظفر بهم من أن كانوا مجموعين .

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لن يغلب اثنا عشر ألفا كلمتهم واحدة »[ أبو داوود2611 ] [ وقال تعالى ][ في الأصل وم : وقوله ] : ( ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم )[ آل عمران : 103 ] جعل الاجتماع في الدنيا نعمة ، ونهاهم عن التفرق ، وهم كانوا يقصدون بذلك أن يفرقوا بين ضعفة من المؤمنين وبين رسول الله ، فيُلبِسوا الله ، عليهم الدين لأنهم كانوا أهل لسان وجدل ، وذلك كله كفر على ما ذكر .

وفيه دلالة إثبات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه معلوم أنهم أسروا ، وأضمروا في ما بينهم من الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين ، فأطلع الله نبيه على ما أسروا ليُعلم أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى .

وقوله تعالى : ( و إرصادا لمن حارب الله ورسوله ) أي بنوا ذلك المسجد إرصادا لمن حارب الله ورسوله .

قال عامة أهل التأويل : هو ابو عامر [ الراهب ][ ساقطة من الأصل وم ] ؛ [ ذكر أن أبا عامر ][ من م ، ساقطة من الأصل ] حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فر منه ، فقال للمنافقين[ من م ، في الأصل : للمنافق ] : ابنوا مسجدا ، واستعدوا ، فإني ذاهب إلى قيصر بالشام ، فآت بجند فنخرج محمدا وأصحابه من المدينة ، فذهب إلى قيصر بالشام ، فبنوا مسجدا إرصادا لمن حارب الله ورسوله ؛ يعني أبا عامر[ في الأصل وم : عمر ] .

قال القتبي : ( ضرارا ) أي مضارة ( وإرصادا ) أي ترقبا بالعداوة . وقال أبو عوسجة : ( ضرارا ) مضارة ( وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ) أي وقوفا وانتظارا الفرصة لمن حار الله على المؤمنين .

وقوله تعالى : ( وليحلفن إن أردنا ) أي حلفوا ما أردنا باتخاذ المسجد ( إلا الحسنى ) والخير ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) فيه ما ذكرنا من الدلالة على إثبات الرسالة .