المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

174- ثم خرجوا للجهاد ولقاء الجيش الكثيف ، ولكن المشركين جبنوا عن اللقاء ، فعاد المؤمنون فائزين بنعمة السلامة مع الرغبة في الجهاد ، وفوزهم بثوابه وفضل اللَّه عليهم في إلقاء الرعب في قلوب عدوهم فلم ينلهم أذى . وابتغوا رضوان اللَّه فصاروا أهلاً لفضله ، واللَّه صاحب الفضل العظيم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوَءٌ وَاتّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ } فانصرف الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح من وجههم الذي توجهوا فيه ، وهو سيرهم في أثر عدوّهم إلى حمراء الأسد . { بنعمةٍ من اللّهِ } يعني : بعافية من ربهم لم يلقوا بها عدوّا . { وفضل } يعني : أصابوا فيها من الأرباح بتجارتهم التي اتجروا بها ، والأجر الذي اكتسبوه . { لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } يعني : لم ينلهم بها مكروه من عدوّهم ولا أذى . { وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ } يعني بذلك أنهم أرضَوا الله بفعلهم ذلك واتباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه من اتباع أثر العدوّ وطاعتهم . { وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } يعني : والله ذو إحسان وطول عليهم بصرف عدوّهم الذي كانوا قد هموا بالكرّة إليهم ، وغير ذلك من أياديه عندهم ، وعلى غيرهم بنعمه ، عظيم عند من أنعم به عليه من خلقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فانْقَلَبُوا بنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ } قال : والفضل : ما أصابوا من التجارة والأجر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : وافقوا السوق فابتاعوا ، وذلك قوله : { فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ } قال : الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر . قال ابن جريج : ما أصابوا من البيع نعمة من الله وفضل ، أصابوا عفوه وعزّته ، لا ينازعهم فيه أحد . قال : وقوله : { لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } قال : قتل ، { وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ } قال : طاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } لما صرف عنهم من لقاء عدوّهم .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : أطاعوا الله ، وابتغوا حاجتهم ، ولم يؤذهم أحد . { فانْقَلَبُوا بنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني : حين خرج إلى غزوة بدر الصغرى ببدر دراهم ابتاعوا بها من موسم بدر ، فأصابوا تجارة¹ فذلك قول الله : { فانْقَلَبُوا بنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ } . أما النعمة : فهي العافية ، وأما الفضل : فالتجارة ، والسوء : القتل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

وقوله تعالى : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل } يريد في السلامة والظهور في اتباع العدو وحماية الحوزة ، وبفضل في الأجر الذي حازوه والفضل الذي تجللوه ، وباقي الآية بين قد مضت نظائره ، هذا هو تفسير الجمهور لهذه الآية ، وأنها في غزوة -أحد- في الخرجة إلى حمراء الأسد وشذ مجاهد رحمه الله فقال : إن هذه الآية من قوله : { الذين قال لهم الناس } إلى قوله : { فضل عظيم } إنما نزلت في خروج النبي عليه السلام إلى بدر الصغرى ، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في - أحد - إذ قال : موعدنا بدر من العام المقبل ، فقال النبي عليه السلام : ( قولوا نعم ) {[3723]} : فخرج رسول الله قبل بدر وكان بها سوق عظيم ، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي{[3724]} فأخبره أن قريشاً قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها ، فأشفق المسلمون من ذلك لكنهم قالوا : { حسبنا الله ونعم الوكيل } ، وصمموا حتى أتوا بدراً فلم يجدوا عدواً ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدماً وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيداً وربحوا في تجارتهم ، فذلك قوله تعالى : { بنعمة من الله وفضل }{[3725]} أي فضل في تلك التجارة ، والصواب ما قاله الجمهور : إن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد ، وما قال ابن قتيبة وغيره : من أن لفظة { الناس } على رجل واحد من هذه الآية ، فقول ضعيف .


[3723]:- أخرجه الحاكم في "الإكليل" عن الواقدي بهذه الصيغة، والخطاب موجه إلى عمر رضي الله عنه كما في (المواهب للقسطلاني بشرح الزرقاني 2/93).
[3724]:- هو نعيم بن مسعود بن عامر، يكنى أبا سلمة الأشجعي صحابي مشهور، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي خذّل المشركين وبني قريظة يوم الخندق، توفي في خلافة عثمان، وقيل: في وقعة الجمل. (الإصابة 2/568. والاستيعاب).
[3725]:- أخرجه ابن جرير عن السدي (الدر المنثور 2/104)
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

قوله : { فانقلبوا بنعمة من الله } تعقيب للإخبار عن ثبات إيمانهم وقولِهم : حسبنا الله ونعم الوكيل ، وهو تعقيب لمحذوف يدلّ عليه فعل { فانقلبوا } ، لأنّ الانقلاب يقتضي أنَّهم خرجوا للقاء العدوّ الذي بلغ عنهم أنّهم جمعوا لَهم ولم يَعبأوا بخويف الشيطان ، والتقدير : فخرجوا فانقلبوا بنعمة من الله .

والباء للملابسة أي ملابسين لِنعمة وفضل من الله . فالنعمة هي ما أخذوه من الأموال ، والفضلُ فضل الجهاد . ومعنى لم يمسسهم سوء لم يلاقوا حرباً مع المشركين .