القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىَ رَبّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ فِيَ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } .
يقول تعالى ذكره : وقال المشركون الذين لا يخافون لقاءنا ، ولا يَخْشَوْن عقابنا ، هلا أنزل الله علينا ملائكة ، فتخبرَنا أن محمدا محقّ فيما يقول ، وأن ما جاءنا به صدق ، أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك ، كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عنهم : وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا ثم قال بعد : أوْ تَأْتِيَ باللّهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً يقول الله : لقد استكبر قائلو هذه المقالة في أنفسهم ، وتعظموا ، وَعَتَوْا عُتُوّا كَبِيرا يقول : وتجاوزوا في الاستكبار بقيلهم ذلك حدّه ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال كفار قريش : لَوّلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا المَلاَئِكَةُ فيخبرونا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في أنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّا لأن «عتا » من ذوات الواو ، فأخرج مصدره على الأصل بالواو . وقيل في سورة مريم : وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عتِيّاوإنما قيل ذلك كذلك لموافقة المصادر في هذا الوجه جمع الأسماء كقولهم : قعد قعودا ، وهم قوم قعود ، فلما كان ذلك كذلك ، وكان العاتي يجمع عتيا بناء على الواحد ، جعل مصدره أحيانا موافقا لجمعه ، وأحيانا مردودا إلى أصله .
{ وقال الذين لا يرجون } لا يأملون { لقاءنا } بالخير لكفرهم بالبعث ، أولا يخافون { لقاءنا } بالشر على لغة تهامة ، واصل اللقاء الوصول إلى الشيء ومنه الرؤية فإنه وصول إلى المرئي ، والمراد به الوصول إلى جزائه ويمكن أن يراد به الرؤية على الأول . { لولا } هلا . { أنزل علينا الملائكة } فتخبرنا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل فيكونوا رسلا إلينا . { أو نرى ربنا } فيأمرنا بتصدقيه واتباعه . { لقد استكبروا في أنفسهم } أي في شأنها حتى أرادوا لها ما يتفق لأفراد من الأنبياء الذين هم أكمل خلق الله في أكمل أوقاتها وما هو أعظم من ذلك . { وعتوا } وتجاوزوا الحد في الظلم . { عتوا كبيرا } بالغا أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها ، واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ماسدت دونه مطامح النفوس القدسية ، واللام جواب قسم محذوف وفي الاستئناف بالجملة حسن وإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم كقوله :
ثم أخبر عن مقالة الكفار { لولا أنزل علينا الملائكة } الآية ، وقوله { يرجون } قال أبو عبيدة وقوم معناه يخافون والشاهد لذلك قول الهذلي : [ الطويل ]
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها . . . وخالفها في بيت نوب عوامل{[8805]}
قال القاضي أبو محمد : والذي يظهر لي أن الرجاء في هذه الآية والبيت على بابه لأن خوف لقاء الله تعالى مقترن أبداً برجائه ، فإذا نفي الرجاء عن أحد فإنما أخبر عنه أنه مكذب بالبعث لنفي الخوف والرجاء ، وفي ذكر الكفار بنفي الرجاء تنبيه على غبطة ما فاتهم من رجاء الله تعالى ، وأما بيت الشعر المذكور فمعناه عندي لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها فهو لذلك يوطن على الصبر ويجد في شغله ، ولما تمنت كفار قريش رؤية ربهم أخبر تعالى عنهم أنهم عظموا أنفسهم وسألوا ما ليسوا به بأهل ، { وعتوا } ، معناه صعبوا عن الحق واشتدوا ، ويقال عتو وعتي على الأصل ، وعتي معلول باستثقال الضم على الواو فقلبت ياء ثم كسر ما قبلها طلب التناسب{[8806]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.