المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

47- ليس فيها غائلة الصداع تأخذهم على غرة ، ولا هم بشربها يذهب وعيهم شيئاً فشيئاً .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

وقوله : لا فِيها غَوْلٌ يقول : لا في هذه الخمر غَوْل ، وهو أن تغتال عقولهم يقول : لا تذهب هذه الخمر بعقول شاربيها ، كما تذهب بها خمور أهل الدنيا إذا شربوها فأكثروا منها ، كما قال الشاعر :

وَما زَالَتِ الكأْسُ تَغْتالُنَا *** وَتَذْهَبُ بالأَوّلِ الأَوّلِ

والعرب تقول : ليس فيها غيلة وغائلة وغَوْل بمعنى واحد ورفع غَوْل ولم ينصب بلا لدخول حرف الصفة بينها وبين الغول ، وكذلك تفعل العرب في التبرئة إذا حالت بين لا والاسم بحرف من حروف الصفات رفعوا الاسم ولم ينصبوه ، وقد يحتمل قوله : لا فِيها غَوْلٌ أن يكون معنيا به : ليس فيها ما يؤذيهم من مكروه ، وذلك أن العرب تقول للرجل يصاب بأمر مكروه ، أو يُنال بداهية عظيمة : غالَ فلانا غُولٌ . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : ليس فيها صُداع . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لا فِيها غَوْلٌ يقول : ليس فيها صُداع .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ليس فيها أذًى فتشكّي منه بطونهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس لا فِيها غَوْلٌ قال : هي الخمر ليس فيها وجع بطن .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : لا فِيها غَوْلٌ قال : وجع بطن .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لا فِيها غَوْلٌ قال : الغول ما يوجع البطون ، وشارب الخمر ههنا يشتكي بطنه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لا فِيها غَوْلٌ يقول : ليس فيها وجع بطن ، ولا صُداع رأس .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنها لا تغول عقولهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ لا فِيها غَوْلٌ قال : لا تغتال عقولهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ليس فيها أذًى ولا مكروه . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن إسرائيل ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله : لا فِيها غَوْلٌ قال : أذًى ولا مكروه .

حدثنا محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا عبد الله بن بزيعة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله : لا فِيها غَوْلٌ قال : ليس فيها أذًى ولا مكروه .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ليس فيها إثم .

ولكلّ هذه الأقوال التي ذكرناها وجه ، وذلك أن الغَوْل في كلام العرب : هو ما غال الإنسان فذهب به ، فكلّ من ناله أمر يكرهه ضربوا له بذلك المثل ، فقالوا : غالت فلانا غول ، فالذاهب العقل من شرب الشراب ، والمشتكي البطن منه ، والمصدّع الرأس من ذلك ، والذي ناله منه مكروه كلهم قد غالته غُول .

فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الله تعالى ذكره قد نفى عن شراب الجنة أن يكون فيه غَوْل ، فالذي هو أولى بصفته أن يقال فيه كما قال جلّ ثناؤه لا فِيها غَوْلٌ فيعمّ بنفي كلّ معاني الغَوْل عنه ، وأعمّ ذلك أن يقال : لا أذى فيها ولا مكروه على شاربيها في جسم ولا عقل ، ولا غير ذلك .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة يُنْزَفُونَ بفتح الزاي ، بمعنى : ولا هم عن شربها تُنْزَف عقولهم . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : «وَلا هُمْ عَنْها يُنْزِفُونَ » بكسر الزاي ، بمعنى : ولا هم عن شربها يَنْفَد شرابهم .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى غير مختلفتيه ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وذلك أن أهل الجنة لا ينفد شرابهم ، ولا يُسكرهم شربهم إياه ، فيُذهِب عقولَهم .

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : لا تذهب عقولهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ يقول : لا تذهب عقولهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال : لا تُنْزَف فتذهب عقولهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال : لا تذهب عقولهم .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال : لا تُنْزَف عقولهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال : لا تُنْزِف العقول .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال : لا تغلبهم على عقولهم .

وهذا التأويل الذي ذكرناه عمن ذكرنا عنه لم تفصّل لنا رَواته القراءة الذي هذا تأويلها ، وقد يحتمل أن يكون ذلك تأويل قراءة من قرأها يَنْزِفُونَ ويُنْزَفُون كلتيهما ، وذلك أن العرب تقول : قد نُزِف الرجل فهو منزوف : إذا ذهب عقله من السكر ، وأَنْزَف فهو مُنْزِف ، محكية عنهم اللغتان كلتاهما في ذهاب العقل من السكر وأما إذا فَنِيت خمر القوم فإني لم أسمع فيه إلا أنزَفَ القومُ بالألف ، ومن الإنزاف بمعنى : ذهاب العقل من السكر ، قول الأُبَيرد :

لَعَمْرِي لَئِنْ أنْزَفْتُمُوا أوْ صَحَوْتُمُ *** لبِئْسَ النّدامَى كنْتُمُ آلَ أبْجَرَا

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

{ لا فيها غول } غائلة كما في خمر الدنيا كالخمار من غاله يغوله إذا أفسده ومنه الغول . { ولا هم عنها ينزفون } يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله أفرده بالنفي وعطفه على ما يعمه لأنه من عظم فساده كأنه جنس برأسه ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي وتابعهما عاصم في " الواقعة " من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه ، وأصله للنفاد يقال نزف المطعون إذا خرج دمه كله ونزحت الركية حتى نزفتها .