المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

49- إنا خلقنا كل شيء ، خلقناه بتقدير على ما تقتضيه الحكمة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

وقوله : إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ يقول تعالى ذكره : إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدّرناه وقضيناه ، وفي هذا بيان ، أن الله جلّ ثناؤه ، توعّد هؤلاء المجرمين على تكذيبهم في القدر مع كفرهم به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا هشام بن سعد ، عن أبي ثابت ، عن إبراهيم بن محمد ، عن أبيه ، عن ابن عباس أنه كان يقول : إني أجد في كتاب الله قوما يُسحبون في النار على وجوههم ، يقال لهم : ذُوقُوا مَسّ سَقَرَ لأنهم كانوا يكذّبون بالقَدَر ، وإني لا أراهم ، فلا أدري أشيء كان قبلنا ، أم شيء فيما بقي .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن زياد بن إسماعيل السّهْمِيّ ، عن محمد بن عباد بن جعفر ، عن أبي هريرة أن مشركي قريش خاصمت النبيّ صلى الله عليه وسلم في القَدَر ، فأنزل الله إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى وأبو كُرَيب ، قالوا : حدثنا وكيع بن الجرّاح ، قال : حدثنا سفيان ، عن زياد بن إسماعيل السّهميّ ، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزوميّ ، عن أبي هريرة ، قال : جاء مشركو قريش إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القَدَر ، فنزلت إنّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن زياد بن إسماعيل السهمي ، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزوميّ ، عن أبي هريرة ، بنحوه .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن سعد بن عُبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ ، قال : «لما نزلت هذه الاَية إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال رجل : يا رسول الله ففيم العمل ؟ أفي شيء نستأنفه ، أو في شيء قد فرغ منه ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ ، سَنَيَسّرُهُ للْيُسْرَى ، وَسَنَيْسّرُهُ للعُسْرَى » .

حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا خصيف ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظيّ يقول : لما تكلم الناس في القَدَر نظرت ، فإذا هذه الاَية أنزلت فيهم إنّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ . . . إلى قوله خَلَقْناهُ بقَدَرٍ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ويزيد بن هارون ، قالا : حدثنا سفيان ، عن سالم ، عن محمد بن كعب ، قال : ما نزلت هذه الاَية إلاّ تعييرا لأهل القدر ذُوقُوا مَسّ سَقَرَ إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سالم بن أبي حفصة ، عن محمد بن كعب القُرَظي ذُوقُوا مَسّ سَقَرَ قال : نزلت تعييرا لأهل القَدَر .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن زياد بن إسماعيل السّهمي ، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزوميّ ، عن أبي هريرة ، قال : جاء مشركو قريش إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر ، فنزلت : إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ .

قال : ثنا مهران ، عن حازم ، عن أُسامة ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ مثله .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال : خلق الله الخلق كلهم بقدر ، وخلق لهم الخير والشرّ بقدر ، فخير الخير السعادة ، وشرّ الشرّ الشقاء ، بئس الشرّ الشقاء .

واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فقال بعض نحويّي البصرة : نصب كلّ شيء في لغة من قال : عبد الله ضربته قال : وهي في كلام العرب كثير . قال : وقد رفعت كلّ في لغة من رفع ، ورفعت على وجه آخر . قال إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ فجعل خلقناه من صفة الشيء وقال غيره : إنما نصب كلّ لأن قوله خلقناه فعل ، لقوله «إنا » ، وهو أولى بالتقديم إليه من المفعول ، فلذلك اختير النصب ، وليس قيل عبد الله في قوله : عبد الله ضربته شيء هو أولى بالفعل ، وكذلك إنا طعامك ، أكلناه الاختيارُ النصب لأنك تريد : إنا أكلنا طعامك الأكل ، أولى بأنا من الطعام . قال : وأما قول من قال : خلقناه وصف للشيء فبعيد ، لأن المعنى : إنا خلقناه كلّ شيء بقدر ، وهذا القول الثاني أولى بالصواب عندي من الأوّل للعلل التي ذكرت لصاحبها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

{ إنا كل شيء خلقناه بقدر } أي إنا خلقنا كل شيء مقدرا مرتبا على مقتضى الحكمة ، أو مقدرا مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل وقوعه ، وكل شيء منصوب بفعل يفسره ما بعده ، وقرئ بالرفع على الابتداء وعلى هذا فالأولى أن يجعل خلقناه خبرا لا نعتا ليطابق المشهورة في الدلالة على أن كل شيء مخلوق بقدر ، ولعل اختيار النصب ها هنا مع الإضمار لما فيه من النصوصية على المقصود .