{ إنا كل شيء خلقناه بقدر } أي : كل شيء من الأشياء خلقه الله سبحانه متلبسا بقدر قدره ، وقضاء قضاه ، سبق في علمه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه ، والقدر التقدير ، والعامة على نصب كل بالاشتغال ، وقرئ بالرفع وقد رجح الناس النصب بل أوجبه بعضهم ، قال : لأن الرفع يوهم ما لا يجوز على قواعد أهل السنة ، وقال أبو البقاء : وإنما كان النصب أولى لدلالته على عموم الخلق ، والرفع لا يدل على عمومه . بل يفيد أن كل شيء مخلوق فهو بقدر ، وإنما دل نصب كل على العموم ، لأن التقدير : إنا خلقنا كل شيء بقدر ، فخلقناه تأكيد ، وتفسير لخلقنا المضمر الناصب لكل شيء فهذا لفظ عام يعم جميع المخلوقات ، وللسمين هنا كلام مبسوط لا نطول بذكره .
عن " ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل شيء بقدر حتى العجز والكيس " ، وعن " عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " {[1553]} . أخرجه مسلم .
وعن " جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمر أحدكم حتى يؤمن بالقدر " ، أخرجه الترمذي واستغربه وفي الباب أحاديث بين صحيح منها وضعيف ، قال الخطابي : وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله العبد ، وقهره على ما قدره وقضاه ، وليس الأمر كما يتوهمونه وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله تعالى بما يكون من أكساب العباد ، وصدورها عن تقدير منه ، وخلق لها خيرها وشرها ؛ والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر ، يقال قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد والقضاء في هذا معناه الخلق كقوله : { فقضاهن سبع سموات } أي خلقهن .
قال النووي : إن مذهب أهل الحق إثبات القدر ، ومعناه أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم ، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه على صفات مخصوصة ، فهي تقع على حسب ما قدرها الله ، وأنكرت القدرية هذا ، وزعمت أنه سبحانه لم يقدرها ، ولم يتقدم علمه بها ، وأنها مستأنفة العلم ، أي إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها ، وكذبوا على الله سبحانه وتعالى عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا انتهى .
وقد تظاهرت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ، وأهل العقد والحل من السلف والخلف ، على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى ، وقد قرر ذلك أئمة السنة أحسن تقرير ، بدلائله القطعية ، السمعية والعقلية ، ليس هذا موضع بسطه ، والله تعالى أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.