الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

فأما { سَقَرَ } قال الزجاج : هي اسم من أسماء جهنم لا ينصرف لأنها معرفة ، وهي مؤنثة . وقرأت على شيخنا أبي منصور قال : سقر : اسم لنار الآخرة أعجمي ، ويقال : بل هو عربي ، من قولهم : سقرته الشمس : إذا أذابته ، سميت بذلك لأنها تذيب الأجسام . وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أمر مناديا فنادى نداء يسمعه الأولون والآخرون : أين خصماء الله ؟ فتقوم القدرية ، فيؤمر بهم إلى النار ، يقول الله تعالى : { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، وإنما قيل لهم : { خصماء الله } لأنهم يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدر المعصية على العبد ثم يعذبه عليها . وروى هشام بن حسان عن الحسن قال : والله لو أن قدريا صام حتى يصير كالحبل ، ثم صلى حتى يصير كالوتر ، ثم أخذ ظلما وزورا حتى ذبح بين الركن والمقام لكبه الله على وجهه في سقر { إنا كل شيء خلقناه بقدر } . وروى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل شيء بقدر حتى العجز والكيس ) . وقال ابن عباس : كل شيء بقدر حتى وضع يدك على خدك . وقال الزجاج : معنى { بقدر } أي : كل شيء خلقناه بقدر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه ، ونصب { كل شيء } بفعل مضمر ؛ المعنى : إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر .