المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ} (3)

3- وتضرّعوا إلى الله داعين أن يغفر لكم ذنوبكم ، ثم ارجعوا إليه بإخلاص العبادة وعمل الصالحات ، فَيُمتعكم متاعاً حسناً في الدنيا إلى أن تنتهي آجالكم المقدّرة لكم فيها ، ويُعطى في الآخرة كل صاحب عمل صالح فاضل ثواب عمله وفضله . وإن تنصرفوا عمّا أدعوكم إليه ، تعرضتم للعذاب ، فإني أخاف عليكم هذا العذاب في يوم كبير يحشر فيه الناس جميعاً ، ويكون فيه الهول الأكبر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مّتَاعاً حَسَناً إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } .

يقول تعالى ذكره : ثم فصلت آياته بأن لا تعبدوا إلا الله وبأن استغفروا ربكم . ويعني بقوله : وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ وأن اعملوا أيها الناس من الأعمال ما يرضي ربكم عنكم ، فيستر عليكم عظيم ذنوبكم التي ركبتموها بعبادتكم الأوثان والأصنام وإشراككم الاَلهة والأنداد في عبادته .

وقوله : ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ يقول : ثم ارجعوا إلى ربكم بإخلاص العبادة له دون ما سواه من سائر ما تعبدون من دونه بعد خلعكم الأنداد وبراءتكم من عبادتها . ولذلك قيل : وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ ولم يقل : وتوبوا إليه لأن التوبة معناها الرجوع إلى العمل بطاعة الله ، والاستغفار : استغفار من الشرك الذي كانوا عليه مقيمين ، والعمل لله لا يكون عملاً له إلا بعد ترك الشرك به ، فأما الشرك فإن عمله لا يكون إلا للشيطان ، فلذلك أمرهم تعالى ذكره بالتوبة إليه بعد الاستغفار من الشرك ، لأن أهل الشرك كانوا يرون أنهم يطيعون الله بكثير من أفعالهم وهم على شركهم مقيمون .

وقوله : يُمَتّعْكُمْ مَتاعا حَسَنا إلى أجَلٍ مُسَمّى يقول تعالى ذكره للمشركين الذين خاطبهم بهذه الاَيات : استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ، فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا ورزقكم من زينتها ، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يُمَتّعْكُمْ مَتاعا حَسَنا إلى أجَلٍ مُسَمّى فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه ، فإن الله منعم يحبّ الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله ، وذلك قضاؤه الذي قضى . وقوله : إلى أجَلٍ مُسَمّى يعني الموت .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إلى أجَلٍ مُسَمّى قال : الموت .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إلى أجَلٍ مُسَمّى وهو الموت .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : إلى أجَلٍ مُسَمّى قال : الموت .

وأما قوله : وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ فإنه يعني : يثيب كلّ من تفضل بفضل ماله أو قوّته أو معروفه على غيره محتسبا مريدا به وجه الله ، أجْزَلَ ثوابه وفضله في الاَخرة . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَيُوءْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ قال : ما احتسب به من ماله ، أو عمل بيده أو رجله ، أو كلمه ، أو ما تطوّع به من أمره كله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد . قال : وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : أو عمل بيديه أو رجليه وكلامه ، وما تطوّل به من أمره كله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : وما نطق به من أمره كله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَيُوءْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أي في الاَخرة .

وقد رُوي عن ابن مسعود أنه كان يقول في تأويل ذلك ما :

حُدثت به عن المسيب بن شريك ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن مسعود ، في قوله : وَيُوءْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ قال : من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات . فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات ، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات . ثم يقول : هلك من غلب آحاده أعشاره .

وقوله : وإنْ تَوَلّوْا فإني أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ يقول تعالى ذكره : وإن أعرضوا عما دعوتهم إليه من إخلاص العبادة لله وترك عبادة الاَلهة وامتنعوا من الاستغفار لله والتوبة إليه فأدبروا مولين عن ذلك ، فإني أيها القوم أخاف عليكم عذاب يوم كبير شأنه عظيم هوله ، وذلك يَوْمَ تُجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . وقال جلّ ثناؤه : وإنْ تَوَلّوْا فإنّ أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْمٍ كَبِيرٍ ولكنه مما قد تقدمه قوله ، والعرب إذا قدمت قبل الكلام قولاً خاطبت ثم عادت إلى الخبر عن الغائب ثم رجعت بعد إلى الخطاب ، وقد بينا ذلك في غير موضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .