الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ} (3)

{ وَأَنِ استغفروا } أي أمركم بالتوحيد والاستغفار . ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة . ويدل عليه قوله : { إِنّنى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } كأنه قال : ترك عبادة غير الله ، إنني لكم منه نذير ، كقوله تعالى : { فَضَرْبَ الرقاب } [ محمد : 4 ] والضمير في { مِّنْهُ } لله عز وجل ، أي : إنني لكم نذير وبشير من جهته ، كقوله : { رَسُولٌ مّنَ الله } [ البينة : 2 ] أو هي صلة لنذير ، أي : أنذركم منه ومن عذابه إن كفرتم ، وأبشركم بثوابه إن آمنتم .

فإن قلت : ما معنى ثم في قوله : { ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } ؟ قلت : معناه استغفروا من الشرك ، ثم ارجعوا إليه بالطاعة . أو استغفروا ، والاستغفار توبة ، ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها ، كقوله : { ثُمَّ استقاموا } [ الأحقاف : 13 ] . { يُمَتّعْكُمْ } يطوّل نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية ، من عيشة واسعة ، ونعمة متتابعة { إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } إلى أن يتوفاكم ، كقوله : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً } [ النحل : 97 ] { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } ويعط في الآخرة كل من كان له فضل في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه . أو فضله في الثواب ، والدرجات تتفاضل في الجنة على قدر تفاضل الطاعات { وَإِن تَوَلَّوْاْ } وإن تتولوا { عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } هو يوم القيامة ، وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل .