غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ} (3)

1

ثم عطف على قوله : { أن لا تعبدوا } قوله :{ وأن استغفروا } أي اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم . ثم بين الشيء الذي به يطلب ذلك وهو التوبة فقال : { ثم توبوا إليه } فالتوبة مطلوبة لكونها من متممات الاستغفار ، وما كان آخراً في الحصول كان أولاً في الطلب ، فلهذا قدم الاستغفار على التوبة . وقيل : استغفروا أي توبوا ثم قال : { توبوا } أي أخلصوا التوبة واستقيموا عليها . وقيل : استغفرا من سالف الذنوب ثم توبوا من أنف الذنوب . وقيل : استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة . وقيل : الاستغفار أن يطلب من الله الإعانة في إزالة ما لا ينبغي ، والتوبة سعي الإنسان في الطاعة والاستعانة بفضل الله مقدم على الاستعانة بسعي النفس . ثم رتب على الامتثال أمرين : الأول التمتع بالمنافع الدنيوية إلى حين الوفاة كقوله { فلنحيينه حياة طيبة } [ النحل :97 ] .

سؤال : كيف الجميع بين هذا وبين قوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } { الزخرف :33 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن " " البلاء موكل بالأنبياء ثم بالأولياء " ؟ وأجيب بأن المراد أن لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أو يرزقهم كيف كان . والجواب الثاني أن الإِنسان إذا كان مشغولاً بطاعة الله مستغرقاً في نور معرفته وعبادته كان مبتهجاً في نفسه مسروراً في ذاته ، هيناً عليه ما فاته من اللذات العاجلة ، قانعاً بما يصيبه من الخيرات الزائلة . الثاني قوله : { ويؤت } أي في الآخرة { كل ذي فضل فضله } أي موجب فضل ذلك الشخص ومقتضاه يعني الجزاء المرتب على عمله بحسب تزايد الطاعات . وتسمية العمل الحسن فضلاً تشريف ويجوز أن يعود الضمير في { فضله } إلى الله تعالى . وفيه تنبيه على أن الدرجات في الجنة تتفاضل بحسب تزايد الطاعات . ثم أوعد على مخالفة الأمر فقال : { وإن تولوا } أي تتولوا فحذفت إحدى التاءين والمعنى إن تعرضوا عن الإِخلاص في العبادة وعن الاستغفار والتوبة { فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير } هو يوم القيامة الموصوف بالعظم والثقل أيضاً { ويذورن وراءهم يوماً ثقيلاً } [ الدهر :27 ] .

/خ24