فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ} (3)

قوله : { وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ } معطوف على ألا تعبدوا ، والكلام في أن هذه كالكلام في التي قبلها .

وقوله : { ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } معطوف على { استغفروا } ، وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة ، لكونه وسيلة إليها . وقيل : إن التوبة من متممات الاستغفار ؛ وقيل معنى استغفروا : توبوا . ومعنى توبوا : أخلصوا التوبة واستقيموا عليها . وقيل : استغفروا من سالف الذنوب ، ثم توبوا من لاحقها . وقيل : استغفروا من الشرك ، ثم ارجعوا إليه بالطاعة . قال الفراء : ثم هاهنا بمعنى الواو : أي وتوبوا إليه ، لأن الاستغفار هو : التوبة ، والتوبة هي : الاستغفار ؛ وقيل : إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب ، والتوبة . هي : السبب إليها ، وما كان آخراً في الحصول ، كان أوّلاً في الطلب . وقيل : استغفروا في الصغائر ، وتوبوا إليه في الكبائر ؛ ثم رتب على ما تقدّم أمرين الأول : { يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا } أصل الإمتاع : الإطالة ، ومنه أمتع الله بك ؛ فمعنى الآية : يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من سعة الرزق ورغد العيش { إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } إلى وقت مقدّر عند الله ، وهو : الموت ؛ وقيل : القيامة ؛ وقيل : دخول الجنة ؛ والأوّل : أولى . والأمر الثاني قوله : { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أي : يعط كل ذي فضل في الطاعة والعمل فضله : أي جزاء فضله ، إما في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما جميعاً ، والضمير في فضله راجع إلى كل ذي فضل . وقيل : راجع إلى الله سبحانه على معنى أن الله يعطي كل من فضلت حسناته فضله الذي يتفضل به على عباده . ثم توعدهم على مخالفة الأمر فقال : { وَإِن تَوَلَّوْاْ } أي : تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة ، والاستغفار ، والتوبة { فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } وهو : يوم القيامة ، ووصفه بالكبر ، لما فيه من الأهوال . وقيل : اليوم الكبير يوم بدر .

/خ8