{ وَآتُواْ الْيَتَامَىَ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطّيّبِ وَلاَ تَأْكُلُوَاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىَ أَمْوَالِكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } .
قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره أوصياء اليتامى ، يقول لهم : وأعطوا يا معشر أوصياء اليتامى أموالهم ، إذا هم بلغوا الحلم وأونس منهم الرشد . { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } يقول : ولا تستبدلوا الحرام عليكم من أموالهم بأموالكم الحلال لكم . كما :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } قال : الحلال بالحرام .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } قال : الحرام مكان الحلال .
قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في صفة تبديلهم الخبيث بالطيب الذي نهوا عنه ومعناه ، فقال بعضهم : كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من ماله والرفيع منه ، ويجعلون مكانه لليتيم الرديء والخسيس ، فذلك تبديلهم الذي نهاهم الله تعالى عنه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } قال : لا تعط زيفا وتأخذ جيدا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ ، وعن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ومعمر ، عن الزهري ، قالوا : يعطي مهزولاً ويأخذ سمينا .
وبه عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك ، قال : لا تعط فاسدا وتأخذ جيدا .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ، ويجعل مكانها الشاة المهزولة ، ويقول : شاة بشاة . ويأخذ الدرهم الجيد ، ويطرح مكانه الزيف ، ويقول : درهم بدرهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تستعجل الرزق الحرام فتأكله قبل أن يأتيك الذي قدّر لك من الحلال . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } قال : لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدّر لك .
وبه عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح مثله .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } قال : كان أهل الجاهلية لا يورّثون النساء ، ولا يورّثون الصغار يأخذه الأكبر . وقرأ : { وَتَرْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنّ } قال : إذا لم يكن لهم شيء ، { والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الوِلْدَانِ } لا يورثوهم ، قال ، فنصيبه من الميراث طيب ، وهذا الذي أخذه خبيث .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الاَية قول من قال : تأويل ذلك : ولا تتبدّلوا أموال أيتامكم أيها الأوصياء الحرام عليكم الخبيث لكم ، فتأخذوا رفائعها وخيارها وجيادها «بالطيب الحلال لكم من أموالكم » { وتجعلوا } الرديء الخسيس بدلاً منه . وذلك أن تَبَدّل الشيء بالشيء في كلام العرب أخذ شيء مكان آخر غيره ، يعطيه المأخوذ منه ، أو يجعله مكان الذي أخذ . فإذا كان ذلك معنى التبديل والاستبدال ، فمعلوم أن الذي قاله ابن زيد من أن معنى ذلك : هو أخذ أكبر ولد الميت جميع مال ميته ووالده دون صغارهم إلى ماله ، قول لا معنى له ، لأنه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم ، فلم يستبدل مما أخذ شيئا . فما التبدّل الذي قال جلّ ثناؤه : { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } ولم يبدّل الاَخذ مكان المأخوذ بدلاً ؟ وأما الذي قاله مجاهد وأبو صالح من أن معنى ذلك لا تتعجل الرزق الحرام قبل مجيء الحلال ، فإنهما أيضا إن لم يكونا أرادا بذلك نحو القول الذي روي عن ابن مسعود أنه قال : إن الرجل ليحرم الرزق بالمعصية يأتيها ، ففساده نظير فساد قول ابن زيد ، لأن من استعجل الحرام فأكله ، ثم آتاه الله رزقه الحلال فلم يبدّل شيئا مكان شيء ، وإن كانا أرادا بذلك أن الله جلّ ثناؤه نهى عباده أن يستعجلوا الحرام فيأكلوه قبل مجيء الحلال ، فيكون أكلهم ذلك سببا لحرمان الطيب منه ، فذلك وجه معروف ، ومذهب معقول يحتمله التأويل ، غير أن الأشبه في ذلك بتأويل الاَية ما قلنا ، لأن ذلك هو الأظهر من معانيه ، لأن الله جلّ ثناؤه إنما ذكر ذلك في قصة أموال اليتامى وأحكامها ، فلا يكون ذلك من جنس حكم أوّل الاَية ، فأخرجها من أن يكون من غير جنسه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا تَأْكُلُوا أمْوَالَهُمْ إلى أمْوَالِكُمْ } .
قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ولا تخلطوا أموالهم يعني : أموال اليتامى بأموالكم فتأكلوها مع أموالكم . كما :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَلا تَأْكُلُوا أمْوَالهُمْ إلى أمْوَالِكُمْ } يقول : لا تأكلوا أموالكم وأموالهم ، تخلطوها فتأكلوها جميعا .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن مبارك ، عن الحسن ، قال : لما نزلت هذه الاَية في أموال اليتامى ، كرهوا أن يخالطوهم ، وجعل وليّ اليتيم يعزل مال اليتيم عن ماله ، فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اليَتامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُخالِطُوهُمْ فاخْوَانُكُمْ } قال : فخالطوهم واتّقوا .
القول في تأويل قوله تعالى : { إنّهُ كانَ حُوبا كَبِيرا } .
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره ( بقوله ) : { إنّهُ كانَ حُوبا كَبِيرا } إن أكلكم أموال أيتامكم مع أموالكم حوب كبير . والهاء في قوله «إنّهُ » دالة على اسم الفعل ، أعني الأكل . وأما الحُوب : فإنه الإثم ، يقال منه : حاب الرجل يحوب حَوْبا وَحُوبا وحيابة ، ويقال منه : قد تحوّب الرجل من كذا ، إذا تأثم منه . ومنه قول أمية بن الأسكر الليثي :
وإنّ مُهاجِرَيْنِ تَكَنّفاهُ *** غَدَاتَئِذٍ لقَدْ خَطِئا وَحابا
ومنه قيل : نزلنا بَحوْبة من الأرض وبحيبة من الأرض : إذا نزلوا بموضع سَوء منها . والكبير : العظيم ، فمعنى ذلك : إن أكلكم أموال اليتامى مع أموالكم ، إثم عند الله عظيم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو وعمرو بن عليّ ، قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { حُوبا كَبِيرا } قال : إثما .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { إنّهُ كانَ حُوبا كَبِيرا } قال : إثما عظيما .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { كانَ حُوبا } أما حوبا : فإثما .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { حُوبا } قال : إثما .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { إنّهُ كانَ حُوبا كَبِيرا } يقول : ظلما كبيرا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد ، يقول في قوله : { إنّهُ كانَ حُوبا كَبِيرا } قال : ذنبا كبيرا ، وهي لأهل الإسلام .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا قرة بن خالد ، قال : سمعت الحسن يقول : { حُوبا كَبِيرا } قال : إثما والله عظيما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.