الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا} (2)

قوله تعالى : { بِالطَّيِّبِ } : هو المفعول الثاني ل " تتبدَّلوا " ، وقد تقدم في البقرة قوله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ الآية : 59 ] أن المجرور بالباء هو المتروكُ والمنصوبَ هو الحاصل . وتفعَّل هنا بمعنى استفعل وهو كثير ، نحو : تَعَجَّل وتأخر بمعنى استعجل واستأخر . ومن مجيء تبدّل بمعنى استبدل قول ذي الرمة :

فياكرَمَ السَّكْنِ الذين تَحَمَّلوا *** عن الدارِ والمُسْتَخْلِفِ المُتَبَدِّلِ

أي : المستبدل .

قوله : { إِلَى أَمْوَالِكُمْ } فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن " إلى " بمعنى " مع " كقوله : { إِلَى الْمَرَافِقِ } [ المائدة : 6 ] ، وهذا رأي الكوفيين . والثاني : أنها على بابها ، وهي ومجرورها متعلقة بمحذوف على أنها حال ، أي : مضمومةً أو مضافةً إلى أموالكم . والثالث : أن يضمَّن " تأكلوا " معنى " تَضُمُّوا " كأنه قيل : ولا تضمُّوها إلى أموالكم آكلين . قال الزمخشري : " فإن قلت : قد حَرَّم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم ، فلِمَ وَرَدَ النهيُّ عن أكلها معها ؟ قلت : لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رَزَقهم الله من الحلال ، وهم مع ذلك يَطْمعون فيها كان القبحُ أبلغَ والذمُّ ألحقَ ، ولأنهم كانوا يفعلون كذلك ، فنعى عليهم فِعْلَهم ، وشنَّع بهم ليكون أزجر لهم " .

قوله : { إِنَّهُ كَانَ حُوباً } في الهاءِ ثلاثة أوجه ، أحدها : أنها تعودُ على الأكلِ المفهوم من " لا تأكلوا " . والثاني : على التبدُّل المفهومِ من " لا تَتَبدَّلوا " . والثالث : عليهما ، ذهاباً به مذهبَ اسمِ الإِشارة نحو :

{ عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ } [ البقرة : 68 ] ، ومنه :

كأنَّه في الجِلْدِ تَوْليعُ البَهقْ ***

وقد تقدم ذلك في البقرة ، والأولُ أَوْلى ، لأنه أقربُ مذكور .

وقرأ الجمهور : " حُوباً " بضم الحاء . والحسن بفتحها ، وبعضهم : " حَاباً " بالألف ، وهي لغات في المصدر ، والفتح لغة تميم . ونظير الحَوْب والحاب : القول والقال ، والطُّرد والطَّرْد وهو الإِثم وقيل : المضمومُ اسم مصدر . والمفتوحُ مصدر ، وأصلُه مِنْ حَوْب الإِبل وهو زَجْرها ، فَسُمِّي به الإِثم ، لأنه يُزْجَر به ، ويُطلق على الذنب أيضاً ، لأنه يزجر عنه ، ومنه قوله عليه السلام : " إن طلاقَ أمِّ أيوب لَحَوْب " أي : لذنب عظيم ، يقال : حابَ يَحُوب حَوْباً وحُوباً وحاباً وحَوُوباً وحِيابة " . قال المخبَّل السعدي :

فلا يَدْخُلَنَّ الدهرَ قبرك حُوبٌ *** فإنَّك تلقاهُ عليك حَسِيبُ

وقال الآخر :

وإنَّ مهاجِرَيْنِ تَكَنَّفاه *** غداتئذٍ لقد خَطِئا وحابا

والحَوْبة : الحاجة ، ومنه في الدعاء : " إليك أرفع حَوْبتي " وأوقع الله به الحَوْبة ، وتحوَّب فلان : إذا خَرَجَ من الحَوْب ، كتحرَّج وتأثَّم ، فالتضعيف فيه للسَلْب .