فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا} (2)

قوله : { وَءاتُوا اليتامى أموالهم } خطاب للأولياء ، والأوصياء . والإيتاء : الإعطاء . واليتيم : من لا أب له . وقد خصصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم . وقد تقدم تفسير معناه في البقرة مستوفي ، وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطائهم أموالهم ، مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتم بالبلوغ مجازاً باعتبار ما كانوا عليه ، ويجوز أن يراد باليتامى المعنى الحقيقي ، وبالإيتاء ما يدفعه الأولياء ، والأوصياء إليهم من النفقة ، والكسوة لا دفعها جميعها ، وهذه الآية مقيدة بالآية الأخرى ، وهي قوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } [ النساء : 6 ] فلا يكون مجرد ارتفاع اليتم بالبلوغ مسوغاً لدفع أموالهم إليهم ، حتى يؤنس منهم الرشد .

قوله : { وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الخبيث بالطيب } نهي لهم عن أن يصنعوا صنع الجاهلية في أموال اليتامى ، فإنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى ، ويعوضونه بالرديء من أموالهم ، ولا يرون بذلك بأساً وقيل المعنى : لا تأكلوا أموال اليتامى ، وهي محرّمة خبيثة ، وتدعوا الطيب من أموالكم .

وقيل المراد : لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم ، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله ، والأوّل أولى ؛ فإن تبدل الشيء بالشيء في اللغة أخذه مكانه ، وكذلك استبداله ، ومنه قوله تعالى : { وَمَن يَتَبَدَّلِ الكفر بالإيمان فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل } [ البقرة : 108 ] وقوله : { أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ } [ البقرة : 61 ] وأما التبديل فقد يستعمل كذلك كما في قوله : { وبدلناهم بجنتيهم جَنَّتَيْنِ } [ سبأ : 16 ] وأخرى بالعكس ، كما في قولك بدّلت الحلقة بالخاتم : إذا أذبتها ، وجعلتها خاتماً ، نص عليه الأزهري .

قوله : { وَلاَ تَأْكُلُوا أموالهم إلى أموالكم } ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المنهي عنه في هذه الآية هو الخلط ، فيكون الفعل مضمناً معنى الضم ، أي : لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم ، ثم نسخ هذا بقوله تعالى : { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم } [ البقرة : 220 ] وقيل : إن «إلى » بمعنى «مع » ، كقوله تعالى : { مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله } [ آل عمران : 52 ] والأوّل أولى . والحوب : الإثم يقال : حاب الرجل يحوب حوباً : إذا أثم ، وأصله الزجر للإبل ، فسمي الإثم حوباً لأنه يزجر عنه . والحوبة : الحاجة . والحوب أيضاً : الوحشة ، وفيه ثلاث لغات : ضم الحاء وهي قراءة الجمهور . وفتح الحاء ، وهي قراءة الحسن ، قال الأخفش : وهي لغة تميم . والثالثة الحاب . وقرأ أبيّ بن كعب حاباً على المصدر ، كقال قالا . والتحوب التحزن ، ومنه قول طفيل :

فذوقوا كما ذقنا عداه يحجرٍ *** من الغيظ في أكبادنا والتحوب

/خ4