{ وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أمولهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا { 2 } وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذاك أدنى ألا تعولوا { 3 } } .
{ وآتوا } أعطوا { اليتامى أموالهم } شروع في موارد الاتقاء ومظانه ، وتقديم ما يتعلق باليتامى لإظهار كمال العناية بأمرهم وملابستهم للأرحام ، والخطاب للأولياء والأوصياء ، واليتيم من لا أب له ، وقد خصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم ، وقد تقدم تفسير معناه في البقرة مستوفى .
وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطاءهم أموالهم مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتيم بالبلوغ مجازا باعتبار ما كانوا عليه ، ويجوز أن يراد باليتامى المعنى الحقيقي . وبالإيتاء ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة لا دفعها جميعها ، هذه الآية مقيدة بالأخرى وهي قوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فلا يكون مجرد ارتفاع اليتيم بالبلوغ مسوغا لدفع أموالهم حتى يؤنس عنهم الرشد .
{ ولا تتبدلوا الخبيث } هو مال اليتيم وإن كان جيدا لكونه حراما { بالطيب } وهو مال الولي لكونه حلالا وإن كان رديئا فالباء داخلة على المتروك نهي لهم عن أن يصنعوا صنع الجاهلية في أموال اليتامى ، فإنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى ويعوضونه بالرديء من أموالهم ، ولا يرون بذلك بأسا .
وقيل المعنى لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب من أموالكم وقيل المراد لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله ، والأول أولى فإن تبدل الشيء بالشيء في اللغة أخذ مكانه ، وكذلك استبداله ومنه قوله تعالى { ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل } وقوله { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } وأما التبديل فقد يستعمل كذلك كما في قوله { وبدلناهم بجنتيهم جنتين } وأخرى بالعكس كما في قولك بدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتما ، نص عليه الأزهري .
وذهب جماعة من المفسرين إلى أن المنهي عنه في هذه الآية يعني { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } هو الخلط فيكون الفعل مضمنا معنى الضم أي لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم ، وهذا نهي عن منكر آخر كانوا يفعلونه بأموال اليتامى ، وخص النهي بالمضموم وإن كان أكل مال اليتيم حراما وإن لم يضم إلى مال الوصي ، لأن أكل ماله مع الاستغناء عنه أقبح ، فلذلك خص النهي به أو لأنهم كانوا يأكلونه مع الاستغناء عنه ، فجاء النهي على ما وقع منهم بالقيد للتشنيع .
وإذا كان التقييد لهذا الغرض لم يلزم القائل بمفهوم المخالفة جواز أكل أموالهم وحدها ، قاله الكرخي ، ثم نسخ هذا بقوله تعالى { وإن تخالطوهم فإخوانكم } وقيل إن إلى بمعنى مع كقوله تعالى { من أنصاري إلى اللله } والأول أولى .
{ إنه } أي أكل مال اليتيم من غير حق أو التبديل المفهوم من { لا تتبدلوا } أو المراد كلاهما ذهابا بها مذهب اسم الإشارة نحو { عوان بين ذلك } والأول أولى لأنه أقرب مذكور { كان حوبا } قرئ بضم الحاء وبفتحها ، وحابا بالألف لغات في المصدر ، والفتح لغة تميم ، وهو الإثم ، يقال حاب الرجل يحوب حوبا إذا أتم واكتسب الإثم ، وأصله الزجر للإبل فسمي الإثم حوبا لأنه يزجر عنه ، والحوبة الحاجة والحوب أيضا الوحشة والتحوب التحزن .
عن سعيد ابن جبير قال إن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له ، فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عمه فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت هذه الآية بقول : لا تستبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم . وعن مجاهد قال : لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدر لك ، ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم تخلطونها فتأكلونها جميعا إنه كان إثما { كبيرا } وعن ابن زيد قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا يورثون الصغار ، يأخذه الكبير فنصيبه من الميراث طيب ، وهذا الذي يأخذ خبيث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.