نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا} (2)

ولما بان من هذا تعظيمه لصلة الرحم بجعلها في سياق ذكره سبحانه وتعالى المعبر عنه باسمه الأعظم - كما فعل نحو ذلك في غير{[20327]} آية ، وكان قد تقدم في السورة الماضية ذكر قصة أحد التي انكشفت عن أيتام{[20328]} ، ثم ذكر في قوله تعالى :{ كل نفس ذائقة الموت }[ آل عمران : 185 ] ، أن الموت مشرع{[20329]} لا بد لكل نفس من وروده ؛ علم أنه لابد من وجود الأيتام في كل وقت ، فدعا إلى العفة والعدل فيهم لأنهم بعد الأرحام أولى من يتقى الله فيه{[20330]} ويخشى مراقبته بسببه فقال : { وآتوا اليتامى } أي الضعفاء الذين انفردوا عن آبائهم ، وأصل اليتم الانفراد { أموالهم } أي هيئوها بحسن التصرف فيها لأن تؤتوهم إياها بعد البلوغ - كما يأتي ، أو يكون الإيتاء{[20331]} حقيقة واليتم باعتبار ما كان .

أو باعتبار الاسم اللغوي وهو مطلق الانفراد ، وما أبدع إيلاءها للآية الآمرة بعد عموم تقوى الله بخصوصها{[20332]} في صلة الرحم المختتمة بصفة الرقيب ! لما لا يخفى من أنه لا حامل على العدل في الأيتام إلا المراقبة ، لأنه لا{[20333]} ناصر لهم ، وقد يكونون ذوي رحم .

ولما أمر بالعفة في أموالهم أتبعه تقبيح{[20334]} الشره{[20335]} الحامل للغافل{[20336]} على لزوم المأمور به فقال : { ولا تتبدلوا } أي تكلفوا أنفسكم أن تأخذوا على وجه البدلية { الخبيث } أي من الخباثة التي لا أخبث منها ، لأنها تذهب بالمقصود من الإنسان ، فتهدم - جميع أمره { بالطيب } أي الذي هو كل{[20337]} أمر يحمل على معالي الأخلاق الصائنة{[20338]} للعرض ، المعلية لقدر الإنسان ؛ ثم بعد هذا النهي العام نوّه بالنهي عن نوع منه خاص ، فقال معبراً بالأكل{[20339]} الذي{[20340]} كانت العرب تذم بالإكثار منه ولو أنه حلال طيب ، فكيف إذا كان حراماً ومن مال ضعيف مع الغنى عنه : { ولا تأكلوا أموالهم } أي تنتفعوا بها أيّ انتفاع كان ، مجموعة { إلى أموالكم } شرهاً وحرصاً وحباً في الزيادة من الدنيا التي{[20341]} علمتم شؤمها وما أثرت من الخذلان في آل عمران ، وعبر بإلى إشارة إلى تضمين الأكل معنى الضم تنبيهاً على أنها متى ضمت إلى مال الولي أكل منها فوقع في النهي ، فحض بذلك على تركها محفوظة على حيالها{[20342]} ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إنه } أي الأكل { كان حوباً } أي إثماً وهلاكاً { كبيراً * } .


[20327]:زيد بعده في الأصل ومد: ما، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[20328]:من ظ ومد، وفي الأصل: الأيتام.
[20329]:من ظ ومد، وفي الأصل: مشروع.
[20330]:في مد: فيهم.
[20331]:في ظ: الإتيان.
[20332]:من ظ ومد، وفي الأصل: فخصوصها.
[20333]:سقط من ظ.
[20334]:من مد، وفي الأصل: بقبيح، وفي ظ: بفتتح ـ كذا.
[20335]:من ظ ومد، وفي الأصل: العشرة.
[20336]:في مد: للعاقل.
[20337]:زيد من مد.
[20338]:في ظ: الصائبة.
[20339]:من مد، وفي الأصل وظ: بالأهل.
[20340]:من ظ ومد، وفي الأصل: التي.
[20341]:في ظ: الذي.
[20342]:أي انفرادها، وفي الأصل ومد: حبالها، وفي ظ: مثالها.