{ وآتوا اليتامى } أي : بعد البلوغ والرشد { أموالهم } وسموا اليتامى بعد البلوغ مع أنّ اليتيم في عرف الشرع صغير لا أب له على معنى أنهم كانوا يتامى ، وإن كان اليُتْيم في اللغة الانفراد ، ومنه الدرّة اليتيمة ، وقيل : اليتيم في الإناس من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات وفي الطير من قبلهما ، والخطاب للأولياء والأوصياء .
روي أنّ رجلاً كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ اليتيم طلب المال من عمه فمنعه فترافعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ، فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحله داره ) أي : جنته ، وسيأتي تفسير الحوب الكبير ، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( ثبت الأجر وبقي الوزر ) فقالوا : يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله ؟ فقال : ( ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده ) أي : ولعله كان لا يخرج زكاته { ولا تتبدلوا الخبيث } أي : الحرام { بالطيب } أي : الحلال أي : لا تأخذوه بدله كما تفعلون في أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه .
قال الزمخشريّ : وهذا ليس بتبدل ، وإنما هو تبديل ، قال التفتازانيّ : لأن معنى تبدلت هذا بذاك أنك أخذت هذا وتركت ذاك وكذا استبدلت ؛ لأنّ معنى بدلت هذا بذاك أخذت ذاك وأعطيت هذا قال تعالى : { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } ( البقرة ، 108 ) .
فإذا أعطى الرديء وأخذ الجيد فقد أعطى الخبيث وأخذ الطيب كما لو أخذ الخبيث وترك الطيب ؛ ليكون تبدل الخبيث بالطيب ، فالحاصل أنّ في التبدل ما دخلته الباء متروك ، وما تعدى إليه الفعل بنفسه مأخوذ وفي التبديل بالعكس اه . وقد أوضحت ذلك في «شرح المنهاج » { ولا تأكلوا أموالهم إلى } أي : مع { أموالكم } كقوله تعالى : { من أنصاري إلى الله } ( آل عمران ، 52 ) .
أي : مع الله ، أي : لا تنفقوهما معاً ، ولا تسووا بينهما ، فأكلكم أموالكم حلال لكم ، وأكلكم أموالهم حرام عليكم ، فلا يحل لكم من أموالهم ما زاد على قدر الأقل من أجرتكم ونفقتكم .
فإن قيل : قد حرم الله عليهم أكل مال اليتيم وحده ومع أموالهم فلم ورد النهي عن أكله معها ؟ أجيب : بأنهم كانوا يفعلون كذلك فأنكر عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم ؛ ولأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال ، وهم مع ذلك يطمعون فيها ، كان القبح أبلغ والذم أحق { إنه } أي : أكلها { كان حوباً } أي : ذنباً { كبيراً } أي : عظيماً ولما نزلت هذه الآية في اليتامى ، وما كان في أكل أموالهم من الحوب الكبير خاف الأولياء أن يلحقهم الحوب بترك العدل في حقوق اليتامى ، وأخذوا يتحرّجون من ولايتهم ، وكان الرجل منهم ربما كان تحته العشر من الأزواج والثمان والست ولا يقوم بحقوقهنّ ولا يعدل بينهنّ نزل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.