مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا} (2)

{ وَءاتُواْ اليتامى أموالهم } يعني الذين ماتت آباؤهم فانفردوا عنهم . واليتم : الانفراد ومنه الدرة اليتيمة ، وقيل : اليتم في الأناسي من قبل الآباء ، وفي البهائم من قبل الأمهات ، وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال ، فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم زال هذا الاسم عنهم .

وقوله عليه السلام " لا يتم بعد الحلم " تعليم شريعة لا لغة يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار . والمعنى وآتوا اليتامى أموالهم بعد البلوغ ، وسماهم يتامى لقرب عهدهم إذا بلغوا بالصغر ، وفيه إشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عن حد البلوغ أن أونس منهم الرشد ، وأن يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب } ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم ، أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث وهو اختزال أموال اليتامى بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها . والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز ومنه التعجل بمعنى الاستعجال { وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالهم إلى أموالكم } «إلى » متعلقة بمحذوف وهي في موضع الحال أي مضافة إلى أموالكم . والمعنى ولا تضموها إليها في الإنفاق حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم وتسوية بينه وبين الحلال { إنّهُ } إن أكلها { كَانَ حُوباً كَبِيراً } ذنباً عظيماً