الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا} (2)

قوله : ( وَءَاتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ) الآية [ 2 ] .

هذه الآية عنى بها أوصياء اليتامى أن يعطوهم ما لهم إذا بلغوا الحلم وأنس( {[11520]} ) منهم الرشد ، ولا يقال يتيم إلاّ لمن ( لم )( {[11521]} ) يبلغ الحلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يُتم بعد البلوغ " ( {[11522]} ) ، وسموا يتامى في الآية وإن كان قد بلغوا الحلم على الاسم الأول( {[11523]} ) .

( وَلاَ تَتَبَدَّلُوا( {[11524]} ) الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ) أي الحرام عليكم من أموالهم بالحلال من أموالكم .

قال الزهري : تعطي لهم مهزولاً وتأخذ سميناً أي : لا تأخذ الجيد من أموالهم وتعطي مكانه الرديء تقول شيئاً بشيء ودرهماً( {[11525]} ) بدرهم وشاة بشاة والذي تأخذ خير من الذي تعطي والاسم واحد( {[11526]} ) .

قوله : ( وَلاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمُ إِلَى أَمْوَالِكُم ) معناه : لا تخلطوا أموالهم مع أموالكم فتأكلوا الجميع فنهوا عن أكلها ، وأحلّ الله لهم المخالطة بقوله : ( وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ( {[11527]} ) فَإِخْوَانُكُمْ ) وذلك أنهم اشتدّ عليهم عزل( {[11528]} ) أموال اليتامى ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ( وَإِن تُخَالِطُوهُمْ( {[11529]} ) فَإِخْوَانُكُم ) . وحذّرهم هنا من أكلها عند المُخالطة . ( وإلى ) بمعنى : مع( {[11530]} ) ، وقيل : ( إلى ) على بابها ، والمعنى لا تجمعوا أموالهم إلى أموالكم ( إنه كان ) أي : إن أكلكم أموال اليتامى إثم كبير .

وقيل معنى( {[11531]} ) : ( وَلاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمُ إِلَى أَمْوَالِكُمُ ) لا تربح على يتيمك يهوى عندك دابة أو ثوباً أو غير ذلك وهو غير جاهل فتزداد( {[11532]} ) عليه في الثمن( {[11533]} ) .

وكون ( إلى ) بمعنى مع أولى ، وعليه أكثر الناس ، وذلك أن ( إلى ) أصلها أن تكون نهاية أو تكون حداً نحو ( إِلَى اللَّيْلِ )( {[11534]} ) فهذا نهاية لا يدخل [ ما ]( {[11535]} ) بعدها فيما قبلها ونحو قوله : ( إِلَى الكَعْبَيْنِ )( {[11536]} ) فهذا حد تدخل الكعبان في الغسل ومثله ( إلى المرفقين )( {[11537]} ) فإن خرجت إلى عن هذين الأصلين كانت بمعنى حرف آخر ، فلما لم يحسن فيها في هذا الموضع النهاية ولا الحد كانت بمعنى مع( {[11538]} ) .

والهاء في ( إنه كان ) قيل : تعود على الأكل( {[11539]} ) . وقيل : تعود على التبدل .

[ وقيل( {[11540]} ) : على المال ]( {[11541]} ) .

والحوب : الإثم( {[11542]} ) .

وقال نافع : ( بِالطَّيِّبِ ) تمام ، [ وقال أحمد بن موسى( {[11543]} ) ( إِلَى أَمْوَالِكُمُ ) تمام( {[11544]} ) ]( {[11545]} ) .


[11520]:- كذا في جميع النسخ، وأونس هي عبارة جامع البيان 4/226.
[11521]:- ساقط من (ج) (د).
[11522]:- هذا طرف من حديث تقدم ذكره.
[11523]:- أي: استصحاب الحالة الأولى التي قد ثبتت بها صفة اليتم، والتعبير من المجاز المرسل علاقته اعتبار ما كان. انظر: معاني الزجاج 2/7.
[11524]:- (أ): ولا يتبدلوا وهو تحريف.
[11525]:- (ج): درهم.
[11526]:- جمع مكي بين قول الزهري والسدي، انظر: جامع البيان 4/229، والدر المنثور 2/425
[11527]:- البقرة آية 218.
[11528]:- العزل: المقصود التفريق بين مال الوصي ومال اليتيم. [المدقق].
[11529]:- انظر: أسباب النزول 81.
[11530]:- من معاني إلى: المعية ولهذا تستعمل بدلاً منها، انظر: تأويل مشكل القرآن 571، والمغني لابن هشام 782.
[11531]:- (ج): بمعنى.
[11532]:- كذا في جميع النسخ.
[11533]:- انظر: جامع البيان 4/230 والدر المنثور 1/424.
[11534]:- البقرة آية 187.
[11535]:- ساقط من (أ) (ج).
[11536]:- المائدة آية 61.
[11537]:- ما في المصحف: (إِلَى الْمَرَافِقِ)، المائدة آية 7.
[11538]:- اعترض ابن عطية على هذا الاختيار واعتبر إلى على بابها وهي تتضمن معنى الإضافة والتقدير: لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم، انظر: المحرر 4/12 والبحر 3/160.
[11539]:- انظر: جامع البيان 4/230.
[11540]:- (أ): وقيل المعنى.
[11541]:- ساقط من (أ).
[11542]:- انظر: مجاز القرآن 1/117 وتفسير الغريب 114.
[11543]:- هو أبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد توفي 324 ثقة عالم باللغة والقراءات، انظر: معرفة القراء 1/116 وغاية النهاية 139.
[11544]:- انظر: القطع 245، والمقصود: الوقف في هذين الموضعين [المدقق].
[11545]:- ساقط من (ج).