غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا} (2)

1

ثم إنه سبحانه بعد تقديم موجبات الشفقة على الضعفة ومن له رحم ماسة قال { وآتوا اليتامى أموالهم } وأصل اليتم الانفراد ومنه الرملة اليتيمة والدرة اليتيمة . فاليتامى هم الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم . فاليتيم لغة يتناول الصغير والكبير إلا أنه في عرف الشرع اختص بالذي لم يبلغ الحلم . قال صلى الله عليه وسلم : " لا يتم بعد الحلم " . والمراد أنه إذا احتلم لا تجري عليه أحكام الصغار لأنه في تحصيل مصالحه يستغني بنفسه عن كافل يكفله وقيم يقوم بأمره . فإن قيل : إذا كان اسم اليتيم في الشرع مختصاً بالصغير فما دام يتيماً لا يجوز دفع أمواله إليه ، وإذا صار كبيراً بحيث يجوز دفع ماله إليه لم يبق يتيماً فكيف قال : { وآتوا اليتامى أموالهم } ؟ ففي الجواب طريقان : أحدهما أن المراد باليتامى الكبار البالغون ، سماهم بذلك على مقتضى اللغة أو لقرب عهدهم باليتم كقوله :{ فألقى السحرة ساجدين }[ الشعراء :46 ] أي الذين كانوا سحرة قبل السجود .

ويؤكد هذا الطريق قوله فيما بعد { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } والإشهاد لا يصح قبل البلوغ بل إنما يصح بعد البلوغ . وقال صلى الله عليه وسلم : " تستأمر اليتيمة في نفسها " ولا تستأمر إلا وهي بالغة . وعلى هذا يكون في الآية إشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عند حد البلوغ ولا يمطلوا إن أونس منهم الرشد ، وأن لا يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار ، ويوافقه ما رواه مقاتل والكلبي أنها نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لأبن أخ يتيم . فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية . فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره يعني جنته . فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ثبت الأجر وبقي الوزر . فقالوا : يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله ؟ فقال : ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده . قيل : لأنه كان مشركاً . الطريق الثاني أن المراد بهم الصغار أي الذين هم يتامى في الحال آتوهم بعد زوال صفة اليتيم أموالهم ، وآتوهم من أموالهم ما يحتاجون إليه لنفقتهم وكسوتهم ، والخطاب للأولياء والأوصياء . { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } قال الفراء والزجاج : أي لا تستبدلوا الحرام - وهو مال اليتامى - بالحلال وهو مالكم وما أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه . والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز كالتعجل بمعنى الاستعجال والتأخر بمعنى الاستئخار ، أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث - وهو اختزال أموال اليتامى والاعتزال عنها حتى تتلف - بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها . وقال كثير من المفسرين : هذا التبدل هو أن يأخذ الجيد من مال اليتيم ويجعل مكانه الرديء ، قال صاحب الكشاف : هذا ليس بتبدل وإنما هو تبديل . يريد أن الباء في بدل تدخل على المأخوذ ، وفي تبدل على المعطى . ولما كان المأخوذ الطيب كان تبديلاً . ثم وجهه بأنه لعله يكارم صديقاً له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي فيكون الباء في موضعه . وقيل : معنى الآية أن يأكل مال اليتيم سلفاً مع التزام بدله بعد ذلك فيكون متبدلاً الخبيث بالطيب . { ولا تأكلوا أموالهم } منضمة { إلى أموالكم } وفي الإنفاق تسوية بين المالين في الحل { إنه } أي الأكل { كان حوباً كبيراً } ذنباً عظيماً . والحاب مثله ، والتركيب يدور على الضعف ، والمراد بالأكل مطلق التصرف إلا أنه خص بالذكر لأنه معظم ما يقع لأجله التصرف . وقيل : " إلى " ههنا بمعنى " مع " والفائدة في زيادة قوله : { إلى أموالكم } أكل أموال اليتامى محرم على الإطلاق زيادة التقبيح والتوبيخ لأنهم إذا كانوا مستغنين عنها بما لهم من المال الحلال ومع ذلك طمعوا في مال اليتيم كانوا بالذم أحرى ، ولأنهم كانوا يفعلون كذلك فنعى عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم .

/خ10