ثم إنه سبحانه بعد تقديم موجبات الشفقة على الضعفة ومن له رحم ماسة قال { وآتوا اليتامى أموالهم } وأصل اليتم الانفراد ومنه الرملة اليتيمة والدرة اليتيمة . فاليتامى هم الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم . فاليتيم لغة يتناول الصغير والكبير إلا أنه في عرف الشرع اختص بالذي لم يبلغ الحلم . قال صلى الله عليه وسلم : " لا يتم بعد الحلم " . والمراد أنه إذا احتلم لا تجري عليه أحكام الصغار لأنه في تحصيل مصالحه يستغني بنفسه عن كافل يكفله وقيم يقوم بأمره . فإن قيل : إذا كان اسم اليتيم في الشرع مختصاً بالصغير فما دام يتيماً لا يجوز دفع أمواله إليه ، وإذا صار كبيراً بحيث يجوز دفع ماله إليه لم يبق يتيماً فكيف قال : { وآتوا اليتامى أموالهم } ؟ ففي الجواب طريقان : أحدهما أن المراد باليتامى الكبار البالغون ، سماهم بذلك على مقتضى اللغة أو لقرب عهدهم باليتم كقوله :{ فألقى السحرة ساجدين }[ الشعراء :46 ] أي الذين كانوا سحرة قبل السجود .
ويؤكد هذا الطريق قوله فيما بعد { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } والإشهاد لا يصح قبل البلوغ بل إنما يصح بعد البلوغ . وقال صلى الله عليه وسلم : " تستأمر اليتيمة في نفسها " ولا تستأمر إلا وهي بالغة . وعلى هذا يكون في الآية إشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عند حد البلوغ ولا يمطلوا إن أونس منهم الرشد ، وأن لا يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار ، ويوافقه ما رواه مقاتل والكلبي أنها نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لأبن أخ يتيم . فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية . فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره يعني جنته . فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ثبت الأجر وبقي الوزر . فقالوا : يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله ؟ فقال : ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده . قيل : لأنه كان مشركاً . الطريق الثاني أن المراد بهم الصغار أي الذين هم يتامى في الحال آتوهم بعد زوال صفة اليتيم أموالهم ، وآتوهم من أموالهم ما يحتاجون إليه لنفقتهم وكسوتهم ، والخطاب للأولياء والأوصياء . { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } قال الفراء والزجاج : أي لا تستبدلوا الحرام - وهو مال اليتامى - بالحلال وهو مالكم وما أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه . والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز كالتعجل بمعنى الاستعجال والتأخر بمعنى الاستئخار ، أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث - وهو اختزال أموال اليتامى والاعتزال عنها حتى تتلف - بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها . وقال كثير من المفسرين : هذا التبدل هو أن يأخذ الجيد من مال اليتيم ويجعل مكانه الرديء ، قال صاحب الكشاف : هذا ليس بتبدل وإنما هو تبديل . يريد أن الباء في بدل تدخل على المأخوذ ، وفي تبدل على المعطى . ولما كان المأخوذ الطيب كان تبديلاً . ثم وجهه بأنه لعله يكارم صديقاً له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي فيكون الباء في موضعه . وقيل : معنى الآية أن يأكل مال اليتيم سلفاً مع التزام بدله بعد ذلك فيكون متبدلاً الخبيث بالطيب . { ولا تأكلوا أموالهم } منضمة { إلى أموالكم } وفي الإنفاق تسوية بين المالين في الحل { إنه } أي الأكل { كان حوباً كبيراً } ذنباً عظيماً . والحاب مثله ، والتركيب يدور على الضعف ، والمراد بالأكل مطلق التصرف إلا أنه خص بالذكر لأنه معظم ما يقع لأجله التصرف . وقيل : " إلى " ههنا بمعنى " مع " والفائدة في زيادة قوله : { إلى أموالكم } أكل أموال اليتامى محرم على الإطلاق زيادة التقبيح والتوبيخ لأنهم إذا كانوا مستغنين عنها بما لهم من المال الحلال ومع ذلك طمعوا في مال اليتيم كانوا بالذم أحرى ، ولأنهم كانوا يفعلون كذلك فنعى عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.