التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا} (2)

( وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا( 1 )كَبِيرًا ( 2 ) )

حوبا : إثما أو ذنبا

وعبارة الآية واضحة . وقد احتوت أمر ربانيا بوجوب أداء أموال اليتامى وحقوقهم وعدم أكلها وإساءة استعمالها ، وتبديل الخبيث بالطيب منها . وبيانا لما في ذلك من ذنب عظيم عند الله .

تعليق على الآية

( وآتوا اليتامى أموالهم ) إلخ

وقد روى بعض المفسرين{[490]} أن الآية نزلت في يتيم بلغ رشده ، فامتنع عمه ووصيه عن أداء أمواله إليه فشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله الآية فاستجاب العم واستعاذ من الحوب الكبير . والرواية لم ترد في الصحاح بل في كتب التفسير القديمة كالطبري . ومع احتمال أن يكون قد حدث شيء مما ذكرته ، فإن نصف الآية المطلق واحتواءها حالات أخرى غير حالة الامتناع عن دفع مال اليتيم ، وورود آيات أخرى بعدها في صدد التشديد على حق اليتيم يجعلنا نرجح أنها لم تنزل لحدتها بسبب الحادث المروي ، وأنها استمرار لما قبلها بالدعوة إلى تقوى الله في أموال اليتيم ومتصلة بما بعدها في الوقت نفسه .

ويدل نصها على أن بعض الأوصياء كانوا يتحايلون على أموال الأيتام الذين تحت وصايتهم ، فيتصرفون فيها لمصالحهم ويجعلون الرديء من ماشية وغلة ونقود محل الطيب فاقتضت حكمة التنزيل أن تكون الآية مطلقة العبارة شاملة لمختلف الحالات .

وننبه على أن القرآن المكي قد أمر مرارا بمراقبة الله في أموال اليتامى وحقوقهم . ولا بد من أن يكون هذا بسبب استشراء عادة البغي عليها والإساءة فيها ، فلما توطد سلطان الإسلام في المدينة اقتضت حكمة التنزيل أن يعار الأمر اهتماما تشريعيا . وقد بدأ ذلك فعلا في الآية ( 220 ) من سورة البقرة .

وورد في هذه السورة آيات عديدة بسبيل ذلك هذه أولاها . وهكذا تتسق المبادئ القرآنية في المكي والمدني من القرآن ، وتتطور في المدني وفقا لتطور حالة الإسلام فتغدو تشريعا بعد أن كانت تنبيها ووعظا وإنذارا ولقد علقنا على هذا الموضوع ، وأوردنا ما روي فيه من أحاديث في سياق سورة الفجر فنكتفي بهذا التنبيه .


[490]:انظر تفسير الخازن للآية.