بدئت السورة بالحديث عن وقوع القيامة ، والأحداث التي تصحب وقوعها ، ثم أخبرت أن الخلق في ذلك اليوم ثلاثة أصناف ، معقبة ذلك بتفصيل واف عما أعد لكل صنف من نعيم يلائم منزلته ، أو عذاب يناسب كفره وعصيانه .
ثم أوضحت الآيات بعد ذلك مظاهر نعم الله تعالى ، وآثار قدرته في الخلق والزرع والماء والنار ، وما تقتضيه هذه الآثار الواضحة من تسبيح الله العظيم وتقديسه ، وأقسمت الآيات على مكانة القرآن الكريم ، وما يستحقه من تقديس . ناعية على الكافرين سوء صنيعهم ، من وضعهم التكذيب مكان الشكر . وعقبت ذلك بإجمال لما فصلته عن الأصناف الثلاثة وما ينتظر كل صنف من نعيم أو جحيم .
وختمت السورة بتأكيد أن كل ما جاء فيها هو القين الصادق والحق الثابت ، ورتبت على ذلك الأمر بتنزيه اله تعالى وتقديسه .
1 - إذا وقعت القيامة ، لا تكون نفس مكذبة بوقوعها ، هي خافضة للأشقياء رافعة للسعداء .
1- سورة " الواقعة " هي السورة السادسة والخمسون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول ، فقد كان نزولها بعد سورة " طه " وقبل سورة " الشعراء " .
وقد عرفت بهذا الاسم منذ عهد النبوة ، فعن ابن عباس قال : قال أبو بكر –رضي الله عنه- للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول اله قد شبت . قال : شيبتني هود والواقعة والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت .
وعن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا . . . " ( {[1]} ) .
2- وعدد آياتها ست وتسعون آية عند الكوفيين . وسبع وتسعون عند البصريين ، وتسع وتسعون عند الحجازيين والمدنيين .
3- وسورة " الواقعة " من السور المكية الخالصة ، واستثنى بعضهم بعض آياتها ، وعدها من الآيات المدنية ، ومن ذلك قوله –تعالى- : [ ثلة من الأولين . وثلة من الآخرين ] .
وقوله –سبحانه- : [ فلا أقسم بمواقع النجوم . . . ] إلى قوله –تعالى- : [ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ] .
والذي تطمئن إليه النفس أن السورة كلها مكية ، وأن ما استثنى منها لم يقم دليل يعتد به على صحته .
4- وقد افتتحت سورة " الواقعة " بالحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن أقسام الناس في هذا اليوم . .
قال –تعالى- : [ وكنتم أزواجا ثلاثة ، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ، والسابقون السابقون . . . ] .
5- وبعد أن فصل –سبحانه- الحديث عن كل قسم من هذه الأقسام ، وبين ما أعد له من جزاء عادل . . . أتبع ذلك بالحديث عن مظاهر قدرته ، وسعة رحمته ، وعظيم فضله ، فقال –تعالى- : [ نحن خلقناكم فلولا تصدقون . أفرأيتم ما تمنون ، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون . . . ] .
[ أفرأيتم ما تحرثون ، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون . . . ] .
[ أفرأيتم الماء الذي تشربون ، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ] .
[ أفرأيتم النار التي تورون ، أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنزلون ] .
6- وكما افتتحت السورة الكريمة ببيان أهوال يوم القيامة ، وبيان أنواع الناس في هذا اليوم . . اختتمت –أيضا- بالحديث عن أقسام الناس يوم الحساب ، وعاقبة كل قسم ، قال –تعالى- : [ فأما إن كان من المقربين ، فروح وريحان وجنة ونعيم . وأما إن كان من أصحاب اليمين ، فسلام لك من أصحاب اليمين ، وأما إن كان من المكذبين الضالين ، فنزل من حميم ، وتصلية جحيم ، إن هذا لهو حق اليقين ، فسبح باسم ربك العظيم ] .
7- هذا والمتدبر في هذه السورة الكريمة ، يراها قد ساقت بأسلوب بليغ مؤثر ، ما يحمل الناس على حسن الاستعداد ليوم القيامة ، عن طريق الإيمان العميق ، والعمل الصالح ، وما يبين لهم عن طريق المشاهدة مظاهر قدرة الله –تعالى- ووحدانيته ، وما يكشف لهم النقاب عن أقسام الناس في يوم الحساب ، وعن عاقبة كل قسم ، وعن الأسباب التي وصلت بكل قسم منهم إلى ما وصل إليه من جنة أو نار . .
وما يريهم عجزهم المطلق أمام قدرة الله –تعالى- وأمام قضائه وقدره . . فهم يرون بأعينهم أعز إنسان عندهم ، تنتزع روحه من جسده . . ومع ذلك فهم عاجزون عن أن يفعلوا شيئا . .
وصدق الله إذ يقول : [ فلولا إذا بلغت الحلقوم ، وأنتم حينئذ تنظرون ، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون . فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين ] . .
نسأل الله –تعالى- أن يجعلنا من عباده المقربين . . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .
افتتحت سورة " الواقعة " بتقرير الحقيقة التى لا شك فيها ، وهى أن يوم القيامة حق وأن الحساب حق ، وأن الجزاء حق . . .
وقد اختير الافتتاح بالظرف المتضمن معنى الشرط ، لأنه ينبه الأذهان ويحرك النفوس لترقب الجواب .
والواقعة من أسماء القيامة كالقارعة ، والحاقة ، والآزفة . . . .
قال الجمل : وفى { إِذَا } هنا أوجه : أحدهما : أنها ظرف محض ، ليس فيها معنى الشرط ، والعامل فيها ليس ، من حيث ما فيها من معنى النفى ، كأنه قيل : ينتفى التكذيب بوقوعها إذا وقعت .
والثانى : أن العامل فيها اذكر مقدار ، الثالث : أنها شرطية وجوابها مقدر ، أى : إذا وقت الواقعة كان ، كيت وكيت ، وهو العامل فيها .
وقال بعض العلماء : والذى يظهر لى صوابه ، أن إذا هنا : هى الظرفية المتضمنة معنى الشرط ، وأن قوله الآنى : { إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً } بدل من قوله : { وَقَعَتِ الواقعة } وأن الجواب إذا هو قوله : { فَأَصْحَابُ الميمنة . . } .
وعليه فالمعنى : إذا قامت القيامة ، وحصلت هذه الأحوال العظيمة ، ظهرت منزلة أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة . . .
قال أبو إسحاق عن عِكْرِمَة ، عن ابن عباس قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، قد شبتَ ؟ قال : " شيَّبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعَمَّ يتساءلون ، وإذا الشمس كورت " .
رواه الترمذي وقال : حسن غريب{[1]}
وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن مسعود بسنده إلى عمرو بن الربيع بن طارق المصري : حدثنا السُّرِّي بن يحيى الشيباني ، عن أبي شجاع ، عن أبي ظبية قال : مرض عبد الله مرضه الذي توفي فيه ، فعاده عثمان بن عفان فقال : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي . قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال ألا آمر لك بطبيب ؟ قال : الطبيب أمرضني . قال : ألا آمر لك بعطاء ؟ قال : لا حاجة لي فيه . قال : يكون لبناتك من بعدك ؟ قال : أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة ، لم تصبه فاقة أبدا " . {[2]} .
ثم قال ابن عساكر : كذا قال والصواب : عن " شجاع " ، كما رواه عبد الله بن وهب عن السُّرِّي . وقال عبد الله بن وهب : أخبرني السُّرِّي بن يحيى أن شجاعا حَدَّثه ، عن أبي ظَبْيَة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا " . فكان أبو ظبية لا يدعها{[3]} .
وكذا رواه أبو يعلى ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن محمد بن مُنِيب ، عن السُّرِّي بن يحيى ، عن شجاع ، عن أبي ظَبْيَة ، عن ابن مسعود ، به . ثم رواه عن إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن محمد بن مُنِيب العدني ، عن السُّرِّي بن يحيى ، عن أبي ظبية ، عن ابن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة ، لم تصبه فاقة أبدا " . لم يذكر في سنده " شجاعا " {[4]} . قال : وقد أمرت بناتي أن يقرأنها كل ليلة .
وقد رواه ابن عساكر أيضا من حديث حجاج بن نصير وعثمان بن اليمان ، عن السري بن يحيى ، عن شجاع ، عن أبي فاطمة قال : مرض عبد الله ، فأتاه عثمان بن عفان يعوده ، فذكر الحديث بطوله . قال عثمان بن اليمان : كان أبو فاطمة هذا مولى لعلي بن أبي طالب{[5]} .
وقال [ الإمام ] {[6]} أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا إسرائيل ، ويحيى بن آدم ، حدثنا إسرائيل ، عن سِمَاك بن حرب ؛ أنه سمع جابر بن سَمُرَة يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم ، ولكنه كان يخفف . كانت صلاته أخف من صلاتكم ، وكان يقرأ في الفجر " الواقعة " ونحوها من السور{[7]} .
الواقعة : من أسماء يوم القيامة ، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها ، كما قال : { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } [ الحاقة : 15 ]
سميت هذه السورة الواقعة بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم .
روى الترمذي عن ابن عباس قال : قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت ، قال : شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت وقال الترمذي حديث حسن غريب .
وروى ابن وهب والبيهقي عن عبد الله بن مسعود بسند ضعيف أنه سمع رسول الله يقول « من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقدا أبدا » ، وكذلك سميت في عصر الصحابة . روى أحمد عن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور .
وهكذا سميت في المصاحب وكتب السنة فلا يعرف لها اسم غير هذا .
وهي مكية قال أبن عطية : باجتماع من يعتد به من المفسرين . وقيل فيها آيات مدنية ، أي نزلت في السفر ، وهذا كله غير ثابت اهـ . وقال القرطبي : عن قتادة وأبن عباس استثناء قوله تعالى { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } نزلت بالمدينة .
وقال الكلبي : إلا أربع آيات : اثنتان نزلتا في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهما { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } ، واثنتان نزلتا في سفره إلى المدينة وهما { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن مسعود أنها نزلت في غزوة تبوك .
وهي سورة السادسة والأربعون في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد ، نزلت بعد سورة طه وقبل سورة الشعراء .
وقد عد أهل المدينة ومكة والشام آيها تسعا وتسعين وعدها أهل البصرة سبعا وتسعين وأهل الكوفة ستا وتسعين .
وهذه السورة جامعة للتذكير قال مسروق : من أراد أن يعلم نبأ الأولين والآخرين ونبأ أهل الجنة ونبأ أهل النار ونبأ أهل الدنيا ونبأ أهل الآخرة فليقرأ سورة الواقعة اهـ .
التذكير بيوم القيامة وتحقيق وقوعه .
ووصف ما يعرف وهذا العالم الأرضي عند ساعة القيامة .
ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم .
وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث . وإثبات الحشر والجزاء والاستدلال على إمكان الخلق الثاني بما أبدعه اللام من الموجودات بعد أن لم تكن .
والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى .
والاستدلال بنزع الله الأرواح من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحد منعها من الخروج ، على أن الذي قدر على نزعها بدون مدافع قادر على إرجاعها متى أراد أن يميتهم .
وتأكيد أن القرآن منزل من عند الله وأنه نعمة أنعم بها عليهم فلم يشكروها وكذبوا بما فيه .
افتتاح السورة بالظرف المتضمننِ الشرط ، افتتاح بديع لأنه يسترعي الألباب لترقب ما بعد هذا الشرط الزماني مع ما في الاسم المسند إليه من التهويل بتوقع حدث عظيم يحدث .
و { إذا } ظرف زمان وهو متعلق بالكون المقدر في قوله : { في جنات النعيم } [ الواقعة : 12 ] الخ وقوله : { في سدر مخضود } [ الواقعة : 28 ] الخ وقوله : { في سموم وحميم } [ الواقعة : 42 ] الخ . وضمّن { إذا } معنى الشرط .