المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

6- وما أفاء الله وردَّه على رسوله من أموال بني النضير فما أسرعتم في السير إليه بخيل ولا إبل ، ولكن الله يُسلط على مَن يشاء من عباده بلا قتال ، والله على كل شيء تام القدرة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

ثم بين - سبحانه - حكم الفيء الذى أفاءه على المسلمين فى غزوة بني النضير وفيما يشبهها من غزوات ، وأمر المؤمنين بأن يطيعوا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فى أمره ونهيه ، وأثنى - سبحانه - على المهاجرين والأنصار لقوة إيمانهم ، ولنقاء قلوبهم وسخاء نفوسهم . . . فقال - تعالى - : { وَمَآ أَفَآءَ . . . . } .

قوله : { وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ . . } معطوف على قوله - تعالى - : { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ . . . } لبيان نعمة أخرى من النعم التى أنعم بها - سبحانه - على المؤمنين ، فى غزوة بنى النضير .

و { أَفَآءَ } من الفىء بمعنى الرجوع ، يقال : فاء عليه ، إذا رجع ، ومنه قوله - تعالى - فى شأن الإيلاء : { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والمراد به هنا معناه الشرعى : وهو ما حصل عليه المؤمنون من أموال أعدائهم بدون قتال ، كأن يكون هذا المال عن طريق الصلح ، كما فعل بنو النضير ، فقد صالحوا المؤمنين على الخروج من المدينة ، على أن يكون لكل ثلاثة منهم حمل بعير - سوى السلاح - وأن يتركوا بقية أموالهم للمسلمين .

والضمير فى قوله { مِنْهُمْ } يعود إلى بنى النضير ، الذى عبر - سبحانه - عنهم بقوله : { هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب . . } وقوله : { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ . . } من الإيجاف بمعنى الإسراع فى السير يقال : وجَفَ الفرس يجِف وجَفا ووجيفا ، إذا أسرع فى سيره . والجملة خبر " ما " الموصولة فى قوله : { وَمَآ أَفَآءَ . . } و { مَآ } فى قوله { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ } نافية .

والركاب : اسم جمع للإبل التى تركب ، وفى الكلام حذف أغنى عنه قوله - سبحانه - : { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ . . } .

والمعنى : أعلموا - أيها المؤمنون - أن ما أعطاه الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - من أموال بنى النضير التى صالحوه عليها ، فلا حق لكم فيها لأنكم لم تنالوها بقتالكم لهم على الخيل أو الإبل ، وإنما تفضل بها - سبحانه - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بلا قتال يذكر ، فقد كانت ديار بنى النضير على بعد ميلين من المدينة ، فذهب إليها المسلمون راجلين ، وحاصروها حتى تم استسلام بنى النضير لهم . .

قال الآلوسى : روى أن بنى النضير لما أجلوا عن أوطانهم ، وتركوا ربعاعهم وأموالهم . طلب المسلمون تخميسها كغنائم بدر ، فأنزل الله - تعالى - : { وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ . . . } فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة .

فقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال : كانت أموال بنى النضير ، مما أفاء الله - تعالى - : على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، وكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، فكان ينفق عل أهله منها نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقى فى السلاح والكراع عدة فى سبيل الله - تعالى - .

وقال الضحاك : كانت أموال بنى النضير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، فآثر بها المهاجرين ، وقسمها عليهم ، ولم يعط الأنصار منها شيئا ، إلا ثلاثة منهم أعطاهم لفقرهم . .

وقوله - سبحانه - : { ولكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَآءُ . . . } استدراك على النفي فى قوله - تعالى - : { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ . . } .

أي : ليس لكم الحق - أيها المؤمنون - فى أموال بني النضير ، لأنكم لم تظفروا بها عن طريق قتال منكم لهم ، ولكن الله - تعالى - سلط رسوله - صلى الله عليه وسلم - عليهم وعلى ما فى أيديهم ، كما كان يسلط رسله على من يشاء من أعدائهم ، والله - تعالى - قدير على كل شىء . . .

وما دام الأمر كذلك ، فاتركوا رسولكم - صلى الله عليه وسلم - يتصرف فى أموال بنى النضير بالطريقة التى يريدها ويختارها بإلهام من الله - عز وجل - .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

يقول تعالى مبينًا لما الفيء وما صفته ؟ وما حكمه ؟ فالفيء : فكلّ مال أخذ من الكفار بغير{[28537]} قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب ، كأموال بني النضير هذه ، فإنها مما لم يُوجف المسلمون عليه {[28538]} بخيل ولا ركاب ، أي : لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة ، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفاءه الله على رسوله ؛ ولهذا تصرف فيه كما شاء ، فردّه على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله ، عز وجل ، في هذه الآيات ، فقال : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ } أي : من بني النضير ، { فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ } يعني : الإبل ، { وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : هو قدير لا يغالب ولا يمانع ، بل هو القاهر لكل شيء .


[28537]:- (1) في م: "من غير".
[28538]:- (2) في م: "عليه المسلمون".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

يجوز أن يكون عطفاً على جملة { ما قطعتم من لينة } [ الحشر : 5 ] الآية فتكون امتناناً وتكملة لمصارف أموال بني النضير .

ويجوز أن تكون عطفاً على مجموع ما تقدم عطفَ القصة على القصة والغرض على الغرض للانتقال إلى التعريف بمصير أموال بني النضير لئلا يختلف رجال المسلمين في قسمته . ولبيان أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمة أموال بني النضير هو عدلٌ إن كانت الآية نزلت بعد القسمة وَمَا صْدَقُ { ما أفاء الله } هو ما تركوه من الأرض والنخل والنقض والحطب .

والفَيء معروف في اصطلاح الغزاة ، ففعل أفاء أعطَى الفيء ، فالفيء في الحروب والغارات ما يظفر به الجيْشُ من متاع عدوّهم وهو أعم من الغنيمة ولم يتحقق أيمة اللغة في أصل اشتقاقه فيكون الفيء بقتال ويكون بدون قتال ، وأما الغنيمة فهي ما أخذ بقتال .

وضمير { منهم } عائد إلى { الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } [ الحشر : 2 ] الواقع في أول السورة وهم بنو النضير . وقيل : أريد به الكفار ، وأنه نزَّلَ في فيء فدك فهذا بعيد ومخالف للآثار .

وقوله : { فما أوجفتم عليه } خبر عن ( ما ) الموصولة قرن بالفاء لأن الموصول كالشرط لتضمنه معنى التسبب كما تقدم آنفاً في قوله : { فبإذن الله } [ الحشر : 5 ] .

وهو بصريحه امتنان على المسلمين بأن الله ساق لهم أموال بني النضير دون قتال ، مثل قوله تعالى : { وكفى الله المؤمنين القتال } [ الأحزاب : 25 ] ، ويفيد مع ذلك كناية بأن يقصد بالإِخبار عنه بأنهم لم يُوجفوا عليه لازمُ الخبر وهو أنه ليس لهم سبب حقَ فيه . والمعنى : فما هو من حقّكم ، أو لا تسألوا قسمته لأنكم لم تنالوه بقتالكم ولكن الله أعطاه رسوله صلى الله عليه وسلم نعمة منه بلا مشقة ولا نصَب .

والإِيجاف : نوع من سَير الخيل . وهو سَير سريع بإِيقاع وأريد به الركض للإِغارة لأنه يكون سريعاً .

والركابُ : اسم جمع للإِبل التي تُرْكبُ . والمعنى : ما أغرتم عليه بخيل ولا إبل .

وحرف ( على ) في قوله تعالى : { فما أوجفتم عليه } للتعليل ، وليس لتعدية { أوجفتم } لأن معنى الإِيجاف لا يتعدى إلى الفيء بحرف الجر ، أو متعلقٌ بمحذوف هو مصدر { أوجفتم } ، أي إيجافاً لأجله .

و { مِن } في قوله : { من خيل } زائدة داخلة على النكرة في سياق النفي ومدخول { مِن } في معنى المفعول به ل { أوجفتم } أي ما سقتم خيلاً ولا ركاباً .

وقوله : { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } استدراك على النفي الذي في قوله تعالى : { فما أوجفتم عليه } لرفع توهم أنه لا حقّ فيه لأحد . والمراد : أن الله سلط عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فالرسول أحق به . وهذا التركيب يفيد قصراً معنوياً كأنه قيل : فما سلطكم الله عليهم ولكن سلط عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم .

وفي قوله تعالى : { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } إيجاز حذف لأن التقدير : ولكن الله سلط عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم والله يسلط رُسله على من يشاء وكان هذا بمنزلة التذييل لعمومه وهو دال على المقدر .

وعموم { من يشاء } لشمول أنه يسلط رسله على مقاتلين ويسلطهم على غير المقاتلين .

والمعنى : وما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هو بتسليط الله رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم ، وإلقاء الرعب في قلوبهم والله يسلط رسله على من يشاء . فأغنى التذييل عن المحذوف ، أي فلا حقّ لكم فيه فيكون من مال الله يتصرّف فيه رسوله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمور من بعده .

فتكون الآية تبييناً لما وقع في قسمة فيء بني النضير . ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسمه على جميع الغُزاة ولكن قسمه على المهاجرين سواء كانوا مِمَّن غزوا معهُ أم لم يغزوا إذ لم يكن للمهاجرين أموالٌ . فأراد أن يكفيهم ويكفي الأنصار ما مَنحوه المهاجرين من النخيل . ولم يعط منه الأنصار إلا ثلاثة لشدة حاجتهم وهم أبو دَجانة ( سِماك بن خزينة ) ، وسَهلُ بن حنيف ، والحارث بن الصِّمَّة . وأعطى سعد بنَ معاذ سيفَ أبي الحُقيق ، وكل ذلك تصرّف باجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله جعل تلك الأموال له .

فإن كانت الآية نزلت بعد أن قسمت أموال النضير كانت بياناً بأن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حقٌّ ، أمره الله به ، أو جعله إليه ، وإن كانت نزلت قبل القسمة ، إذ روي أن سبب نزولها أن الجيش سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تخميس أموال بني النضير مثل غنائم بدر فنزلت هذه الآية ، كانت الآية تشريعاً لاستحقاق هذه الأموال .

قال أبو بكر ابن العربي : « لا خلاف بين العلماء أن الآية الأولى خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي هذه الآية الأولى من الآيتين المذكورتين في هذه السورة خاصة بأموال بني النضير ، وعلى أنها خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث يشاء . وبذلك قال عمر بن الخطاب بمحضر عثمان ، وعبد الرحمان بن عوف ، والزبير ، وسعد ، وهو قول مالك فيما روَى عنه ابن القاسم وابن وهب . قال : كانت أموال بني النضير صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمسها . واختُلف في القياس عليها كل مال لم يوجف عليه . قال ابن عطية : قال بعض العلماء وكذلك كل ما فتح الله على الأيمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة ا ه . وسيأتي تفسير ذلك في الآية بعدها .