المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

10 - ولا تترك ما أنت عليه من مخالفتك كُلّ كَثِيرِ الحلف ، حقير ، عيّاب ، مغتاب ، نقّال للحديث بين الناس على وجه الإفساد بينهم ، شديد الصد عن الخير ، معتد ، كثير الآثام ، غليظ القلب ، جاف الطبع ، لئيم معروف الشر . فوق ما له من تلك الصفات الذميمة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } والعتل : هو الجاف الغليظ ، القاسى القلب : الفظ الطبع ، الأكول الشروب . . بدون تمييز بين حلال وحرام . مأخوذ من عتله يعتُلِه - بكسر التاء وضمها - إذا جره بعنف وغلظة . .

{ والزنيم } هو اللصيق بالقوم دون أن يكون منهم ، وإنما هو دعي فيهم ، حتى لكأنه فيهم كالزنمة ، وهي ما يتدلى من الجلد في حلق المعز أو الشأة . .

وقيل : الزنيم ، هو الشخص الذي يعرف بالشر واللؤم بين الناس ، كما تعرف الشاة بزنمتها . أي : بعلامتها .

ومعنى : " بعد ذلك " : كمعنى " ثم " أي : ثم هو بعد كل تلك الصفات القبيحة السابقة : جاف غليظ ، ملصق بالقوم ، دعي فيهم . . .

فهذه تسع صفات ، كل صفة منها قد بلغت النهاية في القبح والسوء ، ساقها - سبحانه - لذم الوليد بن المغيرة وأشباهه في الكفر والفجور .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

وقوله : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } أما العتل : فهو الفظ الغليظ الصحيح ، الجموع المَنُوعُ .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع وعبد الرحمن ، عن سفيان ، عن مَعْبَد{[29173]} بن خالد ، عن حارثة بن وهب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف مُتَضَعَّف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أنبئكم بأهل النار ؟ كل عُتل جَوّاظ مستكبر " . وقال وَكِيع : " كل جَوَّاظ جعظري مستكبر " .

أخرجاه في الصحيحين بقية الجماعة ، إلا أبا داود ، من حديث سفيان الثوري وشعبة ، كلاهما عن معبد بن خالد ، به{[29174]} .

وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا موسى بن علي قال : سمعت أبي يحدِّث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذكر أهل النار : " كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع " . تفرد به أحمد{[29175]} .

قال أهل اللغة : الجعظري : الفَظُّ الغَليظ ، والجَوّاظ : الجَمُوع المَنُوع .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا عبد الحميد ، عن شَهْر بن حَوْشب ، عن عبد الرحمن بن غَنْم ، قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العُتلِّ الزنيم ، فقال : " هو الشديد الخَلْق المصحح ، الأكول الشروب ، الواجد للطعام والشراب ، الظلوم للناس ، رحيب الجوف " {[29176]} .

وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة الجَواظ الجعظري ، العتل الزنيم " {[29177]} وقد أرسله أيضًا غير واحد من التابعين .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن مَعْمر ، عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا مِقضَمًا فكان للناس ظلومًا . قال : فذلك العُتُل{[29178]} الزنيم " {[29179]} .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين ، ونص عليه غير واحد من السلف ، منهم مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم : أن العتل هو : المُصحَّح الخَلْق ، الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح ، وغير ذلك ، وأما الزنيم فقال البخاري :

حدثنا محمود ، حدثنا عُبَيد الله ، عن{[29180]} إسرائيل ، عن أبي حَصِين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } قال : رجلٌ من قريش له زَنمة مثل زَنَمة الشاة .

ومعنى هذا : أنه كان مشهورًا بالشر{[29181]} كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها . وإنما الزنيم في لغة العرب : هو الدّعِيُّ في القوم . قاله ابن جرير وغير واحد من الأئمة ، قال : ومنه قول حسان بن ثابت ، يعني يذم بعض كفار قريش :

وأنتَ زَنيم نِيطَ في آل هاشم *** كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرّاكِب القَدَحُ الفَرْدُ{[29182]}

وقال آخر :

زَنيمٌ لَيْسَ يُعرَفُ مَن أبوهُ *** بَغيُّ الأم ذُو حَسَب لَئيم

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمار بن خالد الواسطي ، حدثنا أسباط ، عن هشام ، عن عِكْرِمَة ، عن ابن عباس في قوله : { زَنِيمٍ } قال : الدعيُّ الفاحش اللئيم . ثم قال ابن عباس :

زَنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيادَةً *** كَما زيدَ في عَرضِ الأديم الأكَارعُ{[29183]}

وقال العوفي عن ابن عباس : الزنيم : الدعي . ويقال : الزنيم : رجل كانت به زنمة ، يعرف بها . ويقال : هو الأخنس بن شَريق الثقفي ، حليف بني زهرة . وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم الأسودُ بن عبد يغوث الزهري ، وليس به .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : أنه زعم أن الزنيم المُلحَق النسب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثني يونس حدثنا ابن وهب ، حدثني سليمان بن بلال ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المُسيَّب ، أنه سمعه يقول في هذه الآية : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } قال سعيد : هو الملصق بالقوم ، ليس منهم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عقبة بن خالد ، عن عامر بن قدامة قال : سئل عكرمة عن الزنيم ، قال : هو ولد الزنا .

وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } قال : يعرف المؤمن من الكافر مثل الشاة الزنماء . والزنماء من الشياه : التي في عنقها هَنتان معلقتان في حلقها . وقال الثوري ، عن جابر ، عن الحسن ، عن سعيد بن جبير قال : الزنيم : الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها . والزنيم : الملصق . رواه ابن جرير .

وروى أيضا من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم : قال : نُعِتَ فلم يعرف حتى قيل : زنيم . قال : وكانت له زَنَمَةٌ في عنقه يُعرَف بها . وقال آخرون : كان دَعيًا .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن أصحاب التفسير قالوا {[29184]} هو الذي تكون له زَنَمَة مثل زنمة الشاة .

وقال الضحاك : كانت له زَنَمَة في أصل أذنه ، ويقال : هو اللئيم الملصق في النسب .

وقال أبو إسحاق : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : هو المريب الذي يعرف بالشر .

وقال مجاهد : الزنيم الذي يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة . وقال أبو رَزِين : الزنيم علامة الكفر . وقال عكرمة : الزنيم الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها .

والأقوال في هذا كثيرة ، وترجع إلى ما قلناه ، وهو أن الزنيم هو : المشهور بالشر ، الذي يعرف به من بين الناس ، وغالبًا يكون دعيًا ولد زنا ، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره ، كما جاء في الحديث : " لا يدخل الجنة ولد زنا " {[29185]} وفي الحديث الآخر : " ولد الزنا شَرُّ الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه " {[29186]} .


[29173]:- (2) في أ: "سعيد".
[29174]:- (3) المسند (4/306) وصحيح البخاري برقم (4918) وصحيح مسلم برقم (2853) وسنن الترمذي برقم (2605) وسنن النسائي الكبرى برقم (11615) وسنن ابن ماجة برقم (4116).
[29175]:- (4) المسند (2/169) وقال الهيثمي في المجمع (10/393): "رجاله رجال الصحيح".
[29176]:- (5) المسند (4/227) وقال الهيثمي في المجمع (10/393): "إسناده حسن، إلا أن ابن غنم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم" وقال في موضع آخر (7/128): "فيه شهر بن حوشب وثقه جماعة وفيه ضعف، وعبد الرحمن بن غنم ليس له صحبة على الصحيح".
[29177]:- (6) المسند (4/227).
[29178]:- (7) في م، أ: "العبد".
[29179]:- (8) تفسير الطبري (19/16) وهو مرسل.
[29180]:- (1) في أ: "بن".
[29181]:- (2) في أ: "بالسوء".
[29182]:- (3) تفسير الطبري(19/17).
[29183]:- (4) البيت في اللسان، مادة "زنم" منسوبًا إلى الخطيم التميمي.
[29184]:- (1) في أ: "قال".
[29185]:- (2) رواه الإمام أحمد في المسند (2/203) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (4925، 4926) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (3/111) قال: "وفيه مخالفة للأصول وأعظمها قوله تعالى: "ولا تزر وازرة أخرى". قال الإمام ابن القيم متعقبًا على ابن الجوزي في المنارالمنيف (ص133): "ليست معرضة بها إن صحت، فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه، بل لأن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص، وقد ورد في ذمة: "أنه شر الثلاثة" وهو حديث حسن ومعناه صحيح بهذا الاعتبار، فإن شر الأبوين عارض، وهذه نطفة خبيثة فشره في أصله وشر الأبوين في فعلهما". قلت: ويوجه أيضًا بالتقييد الذي في حديث عائشة الآتي بأنه شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه، وكلام ابن الجوزي منطبق على حديث: "ولد الزنا في النار إلى سبعة أبناء". وهو موضوع.
[29186]:- (3) رواه الإمام أحمد (6/109) من حديث عائشة، رضي الله عنها، و (2/311) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

وقوله : عُتُلّ يقول : وهو عُتُلّ ، والعتلّ : الجافي الشديد في كفره ، وكلّ شديد قويّ فالعرب تسمية عُتُلاّ ، ومنه قول ذي الإصبع العَدْوانيّ :

والدّهْرُ يَغْدُو مِعْتَلاً جَذَعا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : عُتُلّ العتلّ : العاتل الشديد المنافق .

حدثني إسحاق بن وهب الواسطي ، قال : حدثنا أبو عامر العَقْدِيّ ، قال : حدثنا زهير بن محمد ، عن زيد ابن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن وهب الذّمارِيّ ، قال : «تبكي السماء والأرض من رجل أتمّ الله خلقه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه مقضما من الدنيا ، ثم يكون ظلوما للناس ، فذلك العتلّ الزنيم » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن أبي الزبير ، عن عبيد بن عمير ، قال : العتلّ : الأكول الشروب القويّ الشديد ، يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة ، يدفع المَلَكُ من أولئك سبعين ألفا دفعة في جهنم .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، في قوله : عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال : العتلّ : الشديد .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزِين ، في قوله : عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال : العتلّ : الصحيح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن كثير بن الحارث ، عن القاسم ، مولى معاوية قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العُتُلّ الزنيم ، قال : «الفاحِشُ اللّئيمُ » .

قال : معاوية ، وثني عياض بن عبد الله الفهريّ ، عن موسى بن عقبة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثل ذلك .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : عُتُلّ بَعْدَ ذلك زَنَيمٍ قال : فاحش الخُلق ، لئيم الضريبة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال : الحسن وقتادة : هو الفاحش اللئيم الضريبة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله عُتُلّ قال : هو الفاحش اللئيم الضريبة .

قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن زيد بن أسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَبْكي السّماءُ مِنْ عَبْدٍ أصَحّ اللّهُ جِسْمَهُ ، وأرْحَبَ جَوْفَهُ ، وأعْطاهُ مِنَ الدّنْيا مِقْضَما ، فَكانَ للنّاسِ ظَلُوما ، فَذلكَ العُتُلّ الزّنِيمُ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، قال : العتلّ : الصحيح الشديد .

حدثني جعفر بن محمد البزوري ، قال : حدثنا أبو زكريا ، وهو يحيى بن مصعب ، عن عمر بن نافع ، قال : سُئل عكرِمة ، عن عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ فقال : ذلك الكافر اللئيم .

حدثني علي بن الحسن الأزديّ ، قال : حدثنا يحيى ، يعني ابن يمان ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن في قوله عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٌ قال : الفاحش اللئيم الضريبة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، قال : العتلّ : الزنيم الفاحش اللئيم الضريبة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عُتُلّ قال : شديد الأشَر .

حُدثت عن الحسن ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : عُتُلّ قال : العتلّ : الشديد .

بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ ومعنى «بعد » في هذا الموضع معنى مع ، وتأويل الكلام : عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ : أي مع العتلّ زنيم .

وقوله : زنيم والزنيم في كلام العرب : الملصق بالقوم وليس منهم ، ومنه قول حسان بن ثابت :

وأنْتَ زَنِيمٌ نِيطَ فِي آلِ هاشِمٍ *** كمَا نِيطَ خَلْفَ الرّاكِب القَدَحُ الفَرْدُ

وقال آخر :

زَنِيمٌ لَيْسَ يَعْرِفُ مَن أبُوهُ *** بَغِيّ الأُمّ ذُو حَسَبٍ لَئِيمٍ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس زَنِيمٍ قال : والزنيم : الدعيّ ، ويقال : الزنيم : رجل كانت به زنمة يُعرف بها ، ويقال : هو الأخنس بن شَرِيق الثّقَفِيّ حليف بني زُهْرة . وزعم ناس من بني زُهرة أن الزنيم هو : الأسود بن عبد يغوث الزّهريّ ، وليس به .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : أخبرنا ابن إدريس ، قال : حدثنا هشام ، عن عكرِمة ، قال : هو الدعيّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني سليمان بن بلال ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، أنه سمعه يقول في هذه الآية : { عُتُل بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ } قال سعيد : هو الملصق بالقوم ليس منهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الحسن ، عن سعيد بن جبير ، قال : الزنيم الذي يعرف بالشرّ ، كما تعرف الشاة بزنمتها الملصق .

وقال آخرون : هو الذي له زَنَمة كزنمة الشاة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم قال : نُعِتَ ، فلم يعرف حتى قيل زنيم . قال : وكانت له زنمة في عنقة يُعرف بها .

وقال آخرون : كان دعيّا .

حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، قال حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله : { بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ } قال : نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم : { وَلا تُطِعْ كُلّ حَلاّفٍ مَهِينٍ هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ } قال : فلم نعرفه حتى نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم : { بَعْدَ ذَلكَ زَنيمٍ } قال : فعرفناه له زنمة كزنمة الشاة .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أصحاب التفسير ، قالوا : هو الذي يكون له زنمة كزنمة الشاة .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله الزنيم : يقول : كانت له زنمة في أصل أذنه ، يقال : هو اللئيم الملصق في النسب .

وقال آخرون : هو المريب ، ذكر من قال ذلك :

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال : زنيم : المُرِيب الذي يعرف بالشرّ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الحسن بن مسلم ، عن سعيد بن جبير قال : الزنيم : الذي يعرف بالشرّ .

وقال آخرون : هو الظلوم . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله زَنِيمٍ قال : ظلومٍ .

وقال آخرون : هو الذي يُعرف بأُبنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم : الذي يُعرف بأُبنة ، قال أبو إسحاق : وسمعت الناس في إمرة زياد يقولون : العتلّ : الدعيّ .

وقال آخرون : هو الجِلْف الجافي . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، قال : سمعت شهر بن حَوْشب يقول : هو الجلف الجافي الأكول الشروب من الحرام .

وقال آخرون : هو علامة الكفر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، قال : الزنيم : علامة الكفر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، قال : الزنيم : علامة الكافر .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أنه كان يقول الزنيم يُعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة .

وقال آخرون : هو الذي يعرف باللؤم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرِمة ، قال : الزّنيم : الذي يعرف باللؤم ، كما تُعرف الشاة بزنمتها .

وقال آخرون : هو الفاجر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين ، في قوله : { عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنيمٍ } قال : الزنيم : الفاجر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

ثامنة وتاسعة .

والعُتُل : بضمتين وتشديد اللام اسم وليس بوصف لكنه يتضمن معنى صفةٍ لأنه مشتق من العَتْل بفتح فسكون ، وهو الدفع بقوة قال تعالى : { خذوه فاعْتلُوه إلى سواء الجحيم } [ الدخان : 47 ] ولم يسمع ( عاتل ) . ومما يدل على أنه من قبيل الأسماء دون الأوصاف مركب من وصفين في أحوال مختلفة أو من مركب أوصاف في حالين مختلفين .

وفسر العُتل بالشديد الخِلقة الرحيب الجوف ، وبالأكول الشروب ، وبالغشوم الظلوم ، وبالكثير اللّحم المختال ، روى الماوردي عن شهر بن حوشب هذا التفسير عن ابن مسعود وعن شداد بن أوس وعن عبد الرحمان بن غَنْم ، يزيدُ بعضهم على بعض عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند غير قوي ، وهو على هذا التفسير إتْباع لصفة { منّاع للخير } [ القلم : 12 ] أي يمنع السائل ويدفعه ويُغلظ له على نحو قوله تعالى : { فذلك الذي يَدعُّ اليتيم } [ الماعون : 2 ] .

ومعنى { بعد ذلك } علاوة على ما عُدّد له من الأوصاف هو سيّىء الخِلقة سيِّىء المعاملة ، فالبعدية هنا بعدية في الارتقاء في درجات التوصيف المذكور ، فمفادها مفاد التراخي الرتبي كقوله تعالى : { والأرض بعد ذلك دحاها } [ النازعات : 30 ] على أحد الوجهين فيه .

وعلى تفسير العُتل بالشديد الخِلقة والرحيب الجوف يكون وجه ذكره أن قباحة ذاته مكملة لمعائبه لأن العيب المشاهد أجلب إلى الاشمئزاز وأوغل في النفرة من صاحبه .

وموقع { بعد ذلك } موقعَ الجملة المعترضة ، والظرفُ خبر لمحذوف تقديره : هو بعد ذلك .

ويجوز اتصال { بعد ذلك } بقوله : { زنيم } على أنه حال من { زنيم } .

والزنيم : اللصيق وهو من يكون دعياً في قومه ليس من صريح نسبهم : إِما بمغمز في نسبه ، وإِما بكونه حليفاً في قوم أو مولى ، مأخوذ من الزَنَمة بالتحريك وهي قطعة من أذن البعير لا تنزع بل تبقى معلقة بالأذن علامة على كرم البعير . والزنمتان بضعتان في رقاب المعز .

قيل أريد بالزنيم الوليد بن المغيرة لأنه ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة من مولده . وقيل أريد الأخنس بن شريق لأنه كان من ثقيف فحالف قريشاً وحلّ بينهم ، وأيَّا ما كان المراد به فإن المراد به خاص فدخوله في المعطوف على ما أضيف إليه { كل } [ القلم : 10 ] إنما هو على فرض وجود أمثال هذا الخاص وهو ضرب من الرمز كما يقال : ما بال أقوام يعملون كذا ، ويُراد واحد معين . قال الخطيم التميمي جاهلي ، أو حسان بن ثابت :

زنيم تداعاه الرجال زيادةً *** كما زيد في عَرض الأديم الأكارع

ويطلق الزنيم على من في نسبه غضاضة من قِبَل الأمهات ، ومن ذلك قول حَسان في هجاء أبي سفيان بن حَرب ، قبل إسلام أبي سفيان ، وكانت أمه مولاةً خلافاً لسائر بني هاشم إذ كانت أمهاتهم من صريح نسب قومهن :

وأنتَ زنيم نيطَ في آل هاشم *** كما نِيطَ خلْفَ الراكب القَدَحُ الفَرْدُ

وإنَّ سَنام المجد من آل هاشم *** بنُو بنت مخزوم ووالدُكَ العَبْد

يريد جدّه أبا أمه وهو مَوهب غلام عبد مناف وكانت أم أبي سفيان سُمية بنت موهب هذا .

والقول في هذا الإِطلاق والمرادِ به مماثل للقول في الإِطلاق الذي قبله .