ثم ساق - سبحانه - لونا رابعا من دلائل كمال قدرته ورحمته . فقال - تعالى - : { وَهُوَ الذي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } .
أى : وهو - سبحانه - الذى أوجدكم من نفس واحدة هى نفس أبيكم آدم - عليه السلام - قال - تعالى - { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } وفى هذه الجملة الكريمة تذكير بنعمة أخرى من نعم الله على خلقه ، لأن رجوع الناس إلى أصل واحد أقرب إلى التواد والتراحم والتعاطف ، وفيها - أيضاً - دليل على عظيم قدرته - عز وجل - . والفاء فى قوله - تعالى - { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } للتفريع عن أنشأكم .
أى : أنشأكم من نفس واحدة فلكم موضع الاستقرار فى الأرحام أو فى الأرض وموضع استيداع فى الأصلاب أو فى القبور .
وهذا التفسير مأثور عن ابن عباس ، وقد زكاه الإمام الرازى فقال : ومما يدل على قوة هذا القول أن النطقة الواحدة لا تبقى فى صلب الأب زمانا طويلا فالمستقر أقرب إلى الثبات من المستودع " .
وقيل المستقر حالة الإنسان بعد الموت لأنه إن كان سعيدا فقد استقرت تلك السعادة ، وكذلك إن كان شقيا ، والمستودع حالة قبل الموت لأن الكافر قد ينقلب مؤمنا .
وقيل : المستقر من خلق من النفس الأولى ودخل الدنيا واستقر فيها ، والمستودع الذى لم يخلق بعد وسيخلق .
والذى نراه أن الرأى الأول هو الصحيح لأنه رأى جمهور المفسرين ، ولأن شواهد القرآن تؤيده كما فى قوله - تعالى - { وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ } وكما فى قوله - تعالى - { وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَآءُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } وقرىء { فَمُسْتَقِرٌّ } - بكسر القاف - أى : فمنكم مستقر فى الأرحام ومنكم مستودع .
وقوله { قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } أى : قد فصلنا الآيات الدالة على قدرتنا ووضحناها لقوم يفقهون ما يتلى عليهم ويتدبرونه فينتفعون بذلك .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قيل " يعلمون " مع ذكر النجوم و { يَفْقَهُونَ } مع ذكر إنشاء بنى آدم ؟ قلت : كان إنشاء الإنس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا فكان ذكر الفقه الذى هو استعمال فطنته وتدقيقه نظره مطابقا له .
وقد علق صاحب الانتصاف على كلام الزمخشرى بما ملخصه : " جواب الزمخشرى صناعى ، والتحقيق أنه لما أريد فصل كليهما بفاصلة تنبيها على استقلال كل واحدة منهما بالمقصود من الحجة ، كره فصلهما بفاصلتين متساويتين فى اللفظ ، لما فى ذلك من التكرار فعدل إلى فاصلة مخالفة تحسيناً للنظم واتساقا فى البلاغة ، ويحتمل وجهاً آخر فى تخصيص الأولى بالعلم والثانية بالفقه وهو أنه لما كان المقصود التعريض بمن لا يتدبر آيات الله ولا يعتبر بمخلوقاته وكانت الآية الأولى خارجة عن أنفس النظار ومنافية لها ، إذ النجوم والنظر فيها وعلم الحكمة الإلهية فى تدبيره لها أمر خارج عن نفس الناظر ، ولا كذلك النظر فى إنشائهم من نفس واحدة ، وتقلباتهم فى أطوار مختلفة فإنه نظر لا يعدو نفس الناظر ولا يتجاوزها ، فإذا تمهد ذلك فجهل الإنسان بنفسه وبأحواله أبشع من جهله بالأمور الخارجة عنه كالنجوم والأفلاك ، فلما كان الفقه أدنى درجات العلم إذ هو عبارة عن الفهم نفى من أبشع القبيلين جهلا وهم الذين لا يتبصرون فى أنفسهم ، ونفى الأدنى أبشع من نفى الأعلى درجة فخص به أسوأ الفريقين حالا . . وإذا قيل : فلان " لا يفقه شيئاً " كان أذم فى العرف من قولك : فلان لا يعلم شيئاً وكأن معنى قولك لا يفقه شيئاً ليست له أهلية الفهم وإن فهم ، وأما قولك " لا يعلم شيئاً " فغايته نفى حصول العلم له ، وقد يكون له أهلية الفهم والعلم لو يعلم .
يقول تعالى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني : آدم عليه السلام ، كما قال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً } [ النساء : 1 ] .
وقوله : { فَمُسْتَقَرٌ } اختلفوا في معنى ذلك ، فعن ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وقيس بن أبي حازم ومجاهد ، وعطاء ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك وقتادة والسُّدِّي ، وعطاء الخراساني : { فَمُسْتَقَرٌ } أي : في الأرحام قالوا - أو : أكثرهم - : { وَمُسْتَوْدَعٌ } أي : في الأصلاب .
وعن ابن مسعود وطائفة عكس ذلك . وعن ابن مسعود أيضا وطائفة : فمستقر في الدنيا ، ومستودع حيث يموت . وقال سعيد بن جُبَيْر : { فَمُسْتَقَرٌ } في الأرحام وعلى ظهر الأرض ، وحيث يموت . وقال الحسن البصري : المستقر الذي [ قد ]{[10987]} مات فاستقر به عمله . وعن ابن مسعود : ومستودع في الدار الآخرة .
والقول الأول هو الأظهر ، والله أعلم .
وقوله : { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } أي : يفهمون ويَعُون كلام الله ومعناه .
{ وَهُوَ الّذِيَ أَنشَأَكُم مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصّلْنَا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وإلهكم أيها العادلون بالله غيره الّذي أنْشأكُمْ يعني : الذي ابتدأ خلقكم من غير شيء فأوجدكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ يعني : من آدم عليه السلام كما :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السّديّ : مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ قال : آدم عليه السلام .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَهُوَ الّذِي أنْشأكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ من آدم عليه السلام .
وأما قوله : مُسْتَقَرّ ومُسْتَوْدَعٌ فإن أهل التأويل في تأويله مختلفون فقال بعضهم : معنى ذلك : وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ، فمنكم مستقرّ في الرحم ومنكم مستودع في القبر ، حتى يبعثه الله لنشر القيامة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله : يَعْلَمُ مُسْتَقَرّها ومُسْتَوْدَعَها قال : مستقرّها في الأرحام ، ومستودعها حيث تموت .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل ، عن إبراهيم ، عن عبد الله أنه قال : المستودع حيث تموت ، والمستقرّ : ما في الرحم .
حدثت عن عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السّديّ ، عن مرّة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : المستقرّ الرحم ، والمستودع : المكان الذي تموت فيه .
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا محمد بن فضيل وعليّ بن هاشم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن إبراهيم : يَعْلَمُ مُسْتَقَرّها ومُسْتَوْدَعَها قال : مستقرّها في الأرحام ، ومستودعها في الأرض حيث تموت فيها .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا بن إدريس ، عن ليث ، عن مِقْسِم ، قال : مستقرّها في الصلب حيث تأوي إليه ، ومستودعها حيث تموت .
وقال آخرون : المستودع : ما كان في أصلاب الاَباء ، والمستقرّ : ما كان في بطون النساء وبطون الأرض أو على ظهورها . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا بن علية ، قال : حدثنا كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : فَمُسْتَقَرّ ومُسْتَوْدَعٌ قال : مستودَعون ما كانوا في أصلاب الرجال ، فإذا قرّوا في أرحام النساء أو على ظهر الأرض أو في بطنها ، فقد استقرّوا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا بن عطية ، عن كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير : مُسْتَقَرّ ومُسْتَوْدَعٌ قال : المستودعون : ما كانوا في أصلاب الرجال ، فإذا قرّوا في أرحام النساء أو على ظهر الأرض فقد استقروا .
حدثنا محمد بن المثنى ، ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال بن عباس : يَعْلَمُ مُسْتَقَرّها ومُسْتَوْدَعَها قال : المستودع في الصلب والمستقرّ : ما كان على وجه الأرض أو في الأرض .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمستقرّ في الأرض على ظهورها ومستوع عند الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سمان ، عن سفيان ، عن المغيرة ، عن أبي الخير تميم بن حَذْلَم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : «المستقرّ » : الأرض ، و «المستودع » عند الرحمن .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : «المستقرّ » الأرض ، و «المستودع » : عند ربك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن إبراهيم ، قال : عبد الله : مستقرّها في الدنيا ، ومستودعها في الاَخرة يعني : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا بن المبارك ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : «المستودع » : في الصلب ، و «المستقرّ » : في الاَخرة وعلى وجه الأرض .
وقال آخرون : معنى ذلك : فمستقرّ في الرحم ومستودع في الصلب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي الحرث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قال : مستقرّ في الرحم ، ومستودع في صلب لم يخلق وسيخلق .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن يحيى الجابر ، عن عكرمة : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قال : المستقر : الذي قد استقرّ في الرحم ، والمستودع : الذي قد استودع في الصلب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي الخير تميم ، عن سعيد بن جبير ، قال بن عباس : سَلْ فقلت : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع ؟ قال : المستقرّ : في الرحم ، والمستودع : ما استودع في الصلب .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قال : المستقرّ : الرحم ، والمستودع : ما كان عند ربّ العالمين مما هو خالقه ولم يخلق .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : يَعْلَمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها قال : المستقرّ : ما كان في الرحم مما هو حيّ ومما قد مات والمستودع : ما في الصلب .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال لي بن عباس ، وذلك قبل أن يخرج وجهي : أتزوجت يا بن جبير ؟ قال : قلت : لا ، وما أريد ذاك يومي هذا . قال : فقال : أما إنه مع ذلك سيخرج ما كان في صلبك من المستودعين .
حدثنا بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال لي ابن عباس : تزوّجتَ ؟ قلت : لا . قال : فضرب ظهري وقال : ما كان من مستودع في ظهرك سيخرج .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قال : المستقرّ في الأرحام ، والمستودع في الصلب لم يخلق وهو خالقه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قال : المستقرّ في الرحم ، والمستودع : ما استودع في أصلاب الرجال والدواب .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : المستقرّ : ما استقرّ في الرحم والمستودع : ما استودع في الصلب .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي الخير تميم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، بنحوه .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا عبيدة بن حميد ، عن عمار الدهني ، عن رجل ، عن كريب ، قال : دعاني بن عباس ، فقال : اكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله بن عباس إلى فلان حبر تيماء سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله ، الذي لا إله إلا هو ، أما بعد » قال : فقلت : تبدؤه تقول : السلام عليك ؟ فقال : إن الله هو السلام . ثم قال : اكتب «سلام عليك ، أما بعد فحدّثني عن مستقرّ ومستودع » . قال : ثم بعثني بالكتاب إلى اليهودي ، فأعطيته إياه فلما نظر إليه قال : مرحباً بكتاب خليلي من المسلمين فذهب بي إلى بيته ، ففتح أسفاطاً له كبيرة ، فجعل يطرح تلك الأشياء لا يلتفت إليها . قال : قلت : ما شأنك ؟ قال : هذه أشياء كتبها اليهود حتى أخرج سفر موسى عليه السلام ، قال : فنظر إليه مرتّين ، فقال : المستقرّ : الرحم . قال : ثم قرأ : ونُقِرّ فِي الأرْحَام ما نَشاءُ ، وقرأ : وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ ومَتَاعٌ قال : مستقرّة فوق الأرض ، ومستقره في الرحم ، ومستقرّة تحت الأرض ، حتى يصير إلى الجنة أو إلى النار .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قال : المستقرّ : ما استقرّ في أرحام النساء ، والمستودع : ما استودع في أصلاب الرجال .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن بن جريج ، عن عطاء ، قال : المستقرّ : الرحم ، والمستودع : في أصلاب الرجال .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : المستقرّ : الرحم ، والمستودع : في الأصلاب .
حدثني محمد بن عروة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى ، عن بن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَمُسْتَقَرّ : ما استقرّ في أرحام النساء وَمُسْتَوْدَع ما كان في أصلاب الرجال .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا بن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : المستقرّ : ما استقرّ في الرحم ، والمستودع : ما استودع في الصلب .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : المستقرّ : الرحم ، والمستودع : الصلب .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، عن ابن عون ، قال : أتينا إبراهيم عند المساء ، فأخبرونا أنه قد مات فقلنا : هل سأله أحد عن شيء ؟ قالوا : عبد الرحمن بن الأسود عن المستقرّ والمستودع فقال : المستقر في الرحم ، والمستودع : في الصلب .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : أتيتنا إبراهيم ، وقد مات ، قال : فحدثني بعضهم أن عبد الرحمن بن الأسود سأله قبل أن يموت عن المستقرّ والمستودع ، فقال المستقرّ : في الرحم ، والمستودع : في الصلب .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا بن علية ، عن ابن عون ، قال : أتينا منزل إبراهيم ، فسألنا عنه ، فقالوا : قد توفي ، وسأله عبد الرحمن بن الأسود ، فذكره نحوه .
حدثني به يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا بن علية ، عن ابن عون ، أنه بلغه أن عبد الرحمن بن الأسود سأل إبراهيم ، عن ذلك ، فذكر نحوه .
حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن العلاء بن هارون ، قال : انتهيت إلى منزل إبراهيم حين قبض ، فقلت لهم : هل سأله أحد عن شيء ، قالوا : سأله عبد الرحمن بن الأسود عن مستقرّ ومستودع ، فقال : أما المستقرّ : فما استقرّ في أرحام النساء ، والمستودع : ما في أصلاب الرجال .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا بن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد في فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قال : المستقرّ : الرحم ، والمستودع : الصلب .
حدثني يونس ، قال : ثني سفيان ، عن رجل حدثه عن سعيد بن جبير ، قال : قال لي بن عباس : ألا تنكح ؟ ثم قال : أنا إني أقول لك هذا وإني لأعلم أن الله مخرج من صلبك ما كان فيه مستودعاً .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : المستقر في الرحم ، والمستودع : في الصلب .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قال : مستقر في الرحم ، ومستودع : في الصلب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قال : مستقرّ : في الرحم ، ومستودع : في الصلب .
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع أما «مستقر » : فما استقرّ في الرحم ، وأما «مستودع » في الصلب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قال : مستقرّ في الأرحام ، ومستودع : في الأصلاب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير وأبي حمزة ، عن إبراهيم ، قالا : «مستقر ومستودع » ، المستقرّ : في الرحم ، والمستودع : في الصلب .
وقال آخرون : المستقر : في القبر ، والمستودع : في الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول : مستقرّ : في القبر ، ومستودع : في الدنيا . وأوشك أن يلحق بصاحبه .
وأولى التأويلات في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع كلّ خلقه الذي أنشأ من نفس واحدة مستقرّاً ومستودعاً ، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى . ولا شك أن من بني آدم مستقراً في الرحم ومستودعاً في الصلب ، ومنهم من هو مستقرّ على ظهر الأرض أو بطنها ومستودع في أصلاب الرجال ، ومنهم مستقرّ في القبر مستودع على ظهر الأرض ، فكلّ مستقرّ أو مستودع بمعنى من هذه المعاني فداخل في عموم قوله : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ ومراد به : إلا أن يأتي خبر يجب التسليم له بأنه معنى به معنى دون معنى وخاصّ دون عامّ .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع فقرأت ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة : فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع بمعنى : فمنهم من استقره الله في مقرّه فهو مستقرّ ، ومنهم من استودعه الله فيما استودعه فيه . وقرأ ذلك بعض أهل المدينة وبعض أهل البصرة : «فمُسْتَقِرٌ » بكسر القاف بمعنى : فمنهم من استقر فهو مستودع فيه في مقرّه فهو مستقِرّ به .
وأولى القراءتين بالصواب عندي وإن كان لكليهما عندي وجه صحيح : فمُسْتَقَرّ بمعنى : استقرّه الله في مستقرّه ، ليأتلف المعنى فيه وفي «المستودع » في أن كلّ واحد منهما لم يسمّ فاعله ، وفي إضافة الخبر بذلك إلى الله في أنه المستقرّ هذا والمستودع هذا وذلك أن الجميع مجمعون على قراءة قوله : وَمُسْتَوْدَعٌ بفتح الدال على وجه ما لم يسمّ فاعله ، فإجراء الأوّل ، أعني قوله : «فمستقرّ » عليه أشبه من عدوله عنه .
وأما قوله : قَدْ فَصّلْنَا الاَياتِ لقَوْمٍ يَفْقَهُونَ يقول تعالى : قد بينا الحجج وميزنا الأدلة والأعلام وأحكمناها لقوم يفقهون مواقع الحجج ومواضع العبر ويفهمون الاَيات والذكر ، فإنهم إذا اعتبروا بما نبهتهم عليه من إنشائي من نفس واحدة ما عاينوا من البشر وخلقي ما خلقت منها من عجائب الألوان والصور ، علموا أن ذلك من فعل من ليس له مثل ولا شرك فيشركوه في عبادتهم إياه . كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قَدْ فَصّلْنا الاَياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ يقول : قد بينا الاَيات لقوم يفقهون .