فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ فَمُسۡتَقَرّٞ وَمُسۡتَوۡدَعٞۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَفۡقَهُونَ} (98)

قوله : { وَهُوَ الذي أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ واحدة } أي آدم عليه السلام كما تقدّم . وهذا نوع آخر من بديع خلقه الدال على كمال قدرته { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج والنخعي بكسر القاف ، والباقون بفتحها ، وهما مرفوعان على أنهما مبتدآن وخبرهما محذوف ، والتقدير : فمنكم مستقرّ أو فلكم مستقرّ ، التقدير الأوّل على القراءة الأولى ، والثاني على الثانية ، أي فمنكم مستقرّ على ظهر الأرض ، أو فلكم مستقرّ على ظهرها ، ومنكم مستودع في الرحم ، أو في باطن الأرض ، أو في الصلب . وقيل المستقرّ في الرحم ، والمستودع في الأرض . وقيل المستقرّ في القبر . قال القرطبي : وأكثر أهل التفسير يقولون المستقرّ ما كان في الرحم ، والمستودع ما كان في الصلب . وقيل المستقرّ من خلق ، والمستودع من لم يخلق . وقيل الاستيداع إشارة إلى كونهم في القبور إلى المبعث .

ومما يدل على تفسير المستقرّ بالكون على الأرض قول الله تعالى : { وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ ومتاع إلى حِينٍ } ، وذكر سبحانه هاهنا { يَفْقَهُونَ } وفيما قبله { يَعْلَمُونَ } لأن في إنشاء الأنفس من نفس واحدة وجعل بعضها مستقرّاً وبعضها مستودعاً من الغموض والدقة ما ليس في خلق النجوم للاهتداء ، فناسبه ذكر الفقه لإشعاره بمزيد تدقيق وإمعان فكر .

/خ99