غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ فَمُسۡتَقَرّٞ وَمُسۡتَوۡدَعٞۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَفۡقَهُونَ} (98)

91

ثم عدل عن الآيات الآفاقية إلى آيات الأنفس فقال { وهو الذي أنشأكم } أي خلقكم بطريق النشء والنماء { من نفس واحدة } هي آدم وحوّاء مخلوقة من ضلع من أضلاعه ، وكذا عيسى لأنه من مريم وإن كان يتوسط كلمة «كن » أو بالنفخ وهي من آدم { فمستقر } من قرأ بكسر القاف فالتقدير فمنكم مستقر { و } منكم { مستودع } الأول اسم فاعل والثاني اسم مفعول . ومن قرأ بفتح القاف فالتقدير : فلكم مستقر ولكم مستودع . فيكون كلاهما اسمي مكان أو مصدراً . وذلك أن استقر لازم فلا يجيء منه المفعول به بلا واسطة فينبغي تفسير مستودع أيضاً بما يشاكله استحساناً . وعن ابن عباس : أن المستودع الصلب والمستقر الرحم لقوله { ونقر في الأرحام ما نشاء } [ الحج : 5 ] ولأن اللبث في الرحم أكثر فيكون لفظ القرار بذلك أنسب بخلاف المستودع فإنه في معرض الاسترداد ساعة فساعة ، وهذا شأن المني في الأصلاب فإنه بصدد الإراقة في كل حين وأوان . وقيل : المستقر صلب الأب والمستودع الرحم ، لأن النطفة قد حصلت في صلب الأب أوّلاً واستقرت هناك ، ثم حصلت في الرحم على سبيل الوديعة ، ولأن هذا الترتيب يناسب تقديم المستقر على المستودع . وعن الحسن : المستقر حاله بعد الموت لأن سعادته وشقاوته تبقى وتستقر على حالة واحدة والمستودع حاله قبل الموت ، لأن الكافر قد ينقلب مؤمناً والفاسق صالحاً والوديعة على شرف الزوال والذهاب . وقال الأصم : المستقر الذي خلق من النفس الأولى وحصل في الوجود والمستودع الذي لم يخلق بعد وسيخلق . وعنه أيضاً المستقر من في قرار الدنيا ، والمستودع من في القبور إلى يوم البعث . وعن قتادة بالعكس . وعن أبي مسلم الأصفهاني : المستقر الذكر لأن النطفة إنما تستقر في صلبه ، والمستودع الأنثى لأنها تستودع النطفة . وحاصل الكلام أن الإنسان خلق من نفس واحدة ثم إنه يتقلب في الأطوار ويتردد في الأحوال ، وليس هذا بمقتضى الطبع والخاصية وإلا لتساوى الكل في الأخلاق والأمزجة فذلك إذن بتدبير فاعل قدير مختار خبير . ولهذا قال { قد فصلنا الآيات } ميزنا بعضها عن بعض { لقوم يفقهون } لأن الفائدة تعود إليهم وإن كان الإرشاد عاماً ، ولأن آيات الأنفس أقرب إلى الاعتبار وأهون لدى الاستبصار ختم هذه الآية بالفقه ، وخصص خاتمة الآية الأولى بالعلم ليعلم أن الغافل عن هذه لا فطنة له ولا ذكاء أصلاً فضلاً عن العلم .

/خ100