ثم عدل عن الآيات الآفاقية إلى آيات الأنفس فقال { وهو الذي أنشأكم } أي خلقكم بطريق النشء والنماء { من نفس واحدة } هي آدم وحوّاء مخلوقة من ضلع من أضلاعه ، وكذا عيسى لأنه من مريم وإن كان يتوسط كلمة «كن » أو بالنفخ وهي من آدم { فمستقر } من قرأ بكسر القاف فالتقدير فمنكم مستقر { و } منكم { مستودع } الأول اسم فاعل والثاني اسم مفعول . ومن قرأ بفتح القاف فالتقدير : فلكم مستقر ولكم مستودع . فيكون كلاهما اسمي مكان أو مصدراً . وذلك أن استقر لازم فلا يجيء منه المفعول به بلا واسطة فينبغي تفسير مستودع أيضاً بما يشاكله استحساناً . وعن ابن عباس : أن المستودع الصلب والمستقر الرحم لقوله { ونقر في الأرحام ما نشاء } [ الحج : 5 ] ولأن اللبث في الرحم أكثر فيكون لفظ القرار بذلك أنسب بخلاف المستودع فإنه في معرض الاسترداد ساعة فساعة ، وهذا شأن المني في الأصلاب فإنه بصدد الإراقة في كل حين وأوان . وقيل : المستقر صلب الأب والمستودع الرحم ، لأن النطفة قد حصلت في صلب الأب أوّلاً واستقرت هناك ، ثم حصلت في الرحم على سبيل الوديعة ، ولأن هذا الترتيب يناسب تقديم المستقر على المستودع . وعن الحسن : المستقر حاله بعد الموت لأن سعادته وشقاوته تبقى وتستقر على حالة واحدة والمستودع حاله قبل الموت ، لأن الكافر قد ينقلب مؤمناً والفاسق صالحاً والوديعة على شرف الزوال والذهاب . وقال الأصم : المستقر الذي خلق من النفس الأولى وحصل في الوجود والمستودع الذي لم يخلق بعد وسيخلق . وعنه أيضاً المستقر من في قرار الدنيا ، والمستودع من في القبور إلى يوم البعث . وعن قتادة بالعكس . وعن أبي مسلم الأصفهاني : المستقر الذكر لأن النطفة إنما تستقر في صلبه ، والمستودع الأنثى لأنها تستودع النطفة . وحاصل الكلام أن الإنسان خلق من نفس واحدة ثم إنه يتقلب في الأطوار ويتردد في الأحوال ، وليس هذا بمقتضى الطبع والخاصية وإلا لتساوى الكل في الأخلاق والأمزجة فذلك إذن بتدبير فاعل قدير مختار خبير . ولهذا قال { قد فصلنا الآيات } ميزنا بعضها عن بعض { لقوم يفقهون } لأن الفائدة تعود إليهم وإن كان الإرشاد عاماً ، ولأن آيات الأنفس أقرب إلى الاعتبار وأهون لدى الاستبصار ختم هذه الآية بالفقه ، وخصص خاتمة الآية الأولى بالعلم ليعلم أن الغافل عن هذه لا فطنة له ولا ذكاء أصلاً فضلاً عن العلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.