لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ فَمُسۡتَقَرّٞ وَمُسۡتَوۡدَعٞۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَفۡقَهُونَ} (98)

قوله تعالى : { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة } يعني والله الذي ابتدأ خلقكم أيها الناس من آدم عليه السلام فهو أبو البشر كلهم وحواء مخلوقة منه عيسى أيضاً لأن ابتداء خلقه من مريم وهي من بنات آدم فثبت أن جميع الخلق من آدم عليه السلام { فمستقر ومستودع } قرئ فمستقر بكسر القاف وفتحها . يقال : قر في مكانه واستقر فمن كسَر القاف قال : المستقر بمعنى القارّ . والمعنى : منكم مستقر يعني في الأرحام . ومن فتح القاف جعله مكاناً فالمستقر نفسه المقر فيكون المعنى لكم مقر .

وأما المستودع فهو مثل أودع فيجوز أن يكون اسماً للإنسان الذي استودع ذلك المكان ويجوز أن يكون المكان نفسه .

فمن قرأ فمستقر بفتح القاف جعل المستودع مكاناً ، والمعنى : فلكم مكان استقرار ومكان استيداع ومن كسر القاف جعل المعنى منكم مستقر ومنكم مستودع يعني منكم من استقر ومنكم من استودع والفرق بين المستقر والمستودع أن المستقر أقرب إلى الثبات من المستودع ، لأن المستقر من القرار والمستودع معرض لأن يرد .

ولهذا اختلفت عبارات المفسرين في معنى هذين اللفظين فروي عن ابن عباس أنه قال المستقر في أرحام الأمهات والمستودع في أصلاب الآباء ثم قرأ { ونقر في الأرحام ما نشاء } ويؤيد هذا القول أن النطفة لا تبقى في صلب الأب زماناً طويلاً والجنين يبقى في بطن الأم زماناً طويلاً ، ولما كان المكث في بطن الأم أكثر من صلب الأب حمل المستقر على الرحم والمستودع على الصلب .

وروي عنه أنه قال : بالعكس يعني أن المستقر صلب الأب والمستودع رحم الأم . ووجه هذا القول ، أن النطفة حصلت في صلب الأب قبل رحم الأم فوجب حمل المستقر على الصلب والمستودع على الرحم . وقال ابن مسعود : المستقر في الرحم إلى أن يولد والمستودع في القبر إلى أن يبعث وقال مجاهد : المستقر على ظهر الأرض في الدنيا لقوله : { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } والمستودع عند الله في الآخرة . وقال الحسن : المستقر في القبر والمستودع في الدنيا وكان يقول يا ابن آدم أنت مستودع في أهلك إلى أن تلحق بصاحبك يعني القبر وقيل المستودع في القبر والمستقر إما في الجنة والنار ، لأن المقام فيهما يقتضي الخلود والتأبيد { قد فصلنا الآيات } قد بينّا الدلائل الدالة على التوحيد بالبراهين الواضحة والحجج القاطعة { لقوم يفقهون } يعني لقوم يفهمون عن الله آياته ودلائله الدالة على توحيده لأن الفقه هو الفهم .