المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

5- عسى ربُّه إن طلقكن - أيتها الزوجات - أن يزوجه بدلا منكن زوجات خاضعات لله بالطاعة ، مصدقات بقلوبهن . خاشعات لله . رجّاعات إلى الله . متعبدات متذللات له . ذاهبات في طاعة الله كل مذهب ، ثيبات وأبكاراً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

ثم أضاف - سبحانه - إلى تكريمه لنبيه تكريما آخر ، وإلى تهديده لمن تسىء إليه من أزواجه تهديدا آخر فقال - تعالى - : { عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } .

قال الجمل ما ملخصه : سبب نزولها أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أشاعت حفصة ما أسرها به ، اغتم - صلى الله عليه وسلم - وحلف أن لا يدخل عليهن شهرا مؤاخذة لهن .

ولما بلغ عمر - رضى الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد اعتزل نساءه . . . قال له يا رسول الله : لا يشق عليك أمر النساء ، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك .

قال عمر : وقلما تكلمت بكلام إلا رجوت أن الله يصدق قولى الذى أقوله فنزلت هذه الآية .

فاستأذن عمر النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر الناس أنه لم يطلق نساءه فأذن له فقام على باب المسجد ، ونادى بأعلى صوته : لم يطلق النبى - صلى الله عليه وسلم - نساءه .

و { عسى } كلمت تستعمل فى الرجاء ، والمراد بها هنا التحقيق ، لأنها صادرة عن الله - عز وجل - .

قال الآلوسى : { عسى } فى كلامه - تعالى - للوجوب ، وأن الوجوب هنا إنما هو بعد تحقق الشرط وقيل : هى كذلك إلا هنا ، والشرط معترض بين اسم { عسى } وخبرها .

والجواب محذوف . أى : إن طلقكن فعسى . . . و { أَزْوَاجاً } مفعلو ثان ل { يُبْدِلَ } و { خَيْراً } صفته .

أى : عسى إن طلقكن رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بإذن ربه ومشيئته ، أن يبدله - سبحانه - أزواجا خيرا منكن .

ثم وصف - سبحانه - هؤلاء الأزواج بقوله { مُسْلِمَاتٍ } منقادات ومطيعات لله ولرسوله ، ومتصفات بكل الصفات التى أمر بها الإسلام .

{ مُّؤْمِنَاتٍ } أى : مذعنات ومصدقات بقلوبهن لكل ما جاء به النبى - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه .

{ قَانِتَاتٍ } أى : قائمات بالطاعة لله ولرسوله على أكمل وجه .

{ تَائِبَاتٍ } أى : مقلعات عن الذنوب والمعاصى ، وإذا مسهن شىء منها ندمن وتبن إليه - تعالى - توبة صادقة نصوحا .

{ عَابِدَاتٍ } أى : مقبلات على عبادته - تعالى - إقبالا عظيما .

{ سَائِحَاتٍ } أى : ذاهبات فى طاعة الله أى مذهب ، من ساح الماء : إذا سال فى انحاء متعددة ، وقيل معناه : مهاجرات . وقيل : صائمات . تشبيها لهن بالسائح الذى لا يصحب معه الزاد غالبا فلا يزال ممسكا عن الطعام حتى يجده .

{ ثَيِّبَاتٍ } جمع ثيب - بوزن سيد - وهى المرأة التى سبق لها الزواج ، من ثاب يثوب ثوبا ، إذا رجع ، وسميت المرأة التى سبق لها الزواج بذلك . لأنها ثابت إلى بيت أبويها بعد زواجها ، أو رجعت إلى زوج آخر غير زوجها الأول .

{ وَأَبْكَاراً } جمع بكر ، وهى الفتاة العذراء التى لم يسبق لها الزواج ، وسميت بذلك لأنها لا تزال على أول حالتها التى خلقت عليها .

وهذه الصفات جاءت منصوبة على أنها نعت لقوله { أَزْوَاجاً } . أو حال .

ولم يعطف بعضها على بعض بالواو ، لأجل التنصيص على ثبوت جميع تلك الصفات لكل واحدة منهن .

وعطف - سبحانه - { وَأَبْكَاراً } على ما قبله لتنافى الوصفين ، إذ الثيبات لا يوصفن بالأبكار ، وكذلك الأبكار لا يوصفن بالثيبات ، ولا يجتمع الوصفان فى ذات واحدة .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف تكون المبدلات خيراً منهن ، ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين ؟

قلت : إذا طلقهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعصيانهن له ، وإيذائهن إياه ، لم يبقين على تلك الصفة ، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنزول على هذاه ورضاه خيرا منهن .

فإن قلت : لم أخليت الصفات كلها من العاطف ، ووسط بين الثبات والأبكار ؟ قلت : لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعان فيهن اجتماع سائر الصفات فيهن ، فلم يكن بد من الواو .

هذا ، موال متأمل فى هذه الآيات الكريمة يراها ترسم جانبا من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه ، وهذا الجانب فيه ما فيه من العظات التى من أبرزها تكريم الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وإرشاده إلى ما هو أهدى وأقوم ، وسمو أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - فى معاملته لأهله ، وتحذير أزواجه من أن يتصرفن أى تصرف لا يرغب فيه ، ولا يميل إليه : وتعليم المؤمنين والمؤمنات - فى كل زمان ومكان - كيف تكون العلاقة الطيبة بين الرجال والنساء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

ومعنى قوله : { مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ } ظاهر .

وقوله { سَائِحَاتٍ } أي : صائمات ، قاله أبو هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو مالك ، وإبراهيم النخعي ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسُدّيّ ، وغيرهم . وتقدم فيه حديث مرفوع عند قوله : { السَّائِحُونَ } من سورة " براءة " ، ولفظه : " سياحةُ هذه الأمة الصيامُ " .

وقال زيد بن أسلم ، وابنه عبد الرحمن : { سَائِحَاتٍ } أي : مهاجرات ، وتلا عبد الرحمن : { السَّائِحُونَ } [ التوبة : 112 ] أي : المهاجرون . والقول الأول أولى ، والله أعلم .

وقوله : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } أي : منهن ثيبات ، ومنهن أبكارا ، ليكون ذلك أشهى إلى النفوس ، فإن التنوع يبسُط النفسَ ؛ ولهذا قال : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا }

وقال أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا أبو بكر بن صدقة ، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق ، حدثنا عبد الله بن أمية ، حدثنا عبد القدوس ، عن صالح بن حَيَّان ، عن ابن بُرَيدة ، عن أبيه : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } قال : وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يزوجه ، فالثيب : آسية امرأة فرعون ، وبالأبكار : مريم بنت عمران{[29061]} .

وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة " مريم عليها السلام " من طريق سُوَيْد بن سعيد {[29062]} حدثنا محمد بن صالح بن عمر ، عن الضحاك ومجاهد ، عن ابن عمر قال : جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت خديجة فقال : إن الله يقرئها السلام ، ويبشرها ببيت في الجنة من قَصَب ، بعيد من اللهب{[29063]} لا نَصَب فيه ولا صَخَب ، من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم{[29064]} .

ومن حديث أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة ، وهي في الموت فقال : " يا خديجة ، إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام " . فقالت : يا رسول الله ، وهل تزوجت قبلي ؟ قال : " لا " ، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وكلثم أخت موسى " . ضعيف أيضًا{[29065]} .

وقال أبو يعلى : حدثنا إبراهيم بن عرعرة ، حدثنا عبد النور بن عبد الله ، حدثنا يونس{[29066]} بن شعيب ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُعْلِمتُ أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون " . فقلت : هنيئًا لك يا رسول الله{[29067]} .

وهذا أيضًا ضعيف وروي مرسلا عن ابن أبي داود .


[29061]:- (1) لم أقع عليه في المطبوع من المعجم الكبير للطبراني.
[29062]:- (2) في أ: "بن سعد".
[29063]:- (3) في أ: "من اللهو".
[29064]:- (4) تاريخ دمشق (ص383) "تراجم النساء" ط. المجمع العلمي بدمشق.
[29065]:- (5) تاريخ دمشق (ص 384) "تراجم النساء" ط. المجمع العلمي بدمشق.
[29066]:- (6) في م، أ، هـ: "يوسف" والمثبت من المعجم الكبير للطبراني.
[29067]:- (7) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (8/309) والعقيلي في الضعفاء (4/459) من طريق عبد النور بن عبد الله به، وعبد النور كذاب، قال العقيلي: "وليس بمحفوظ".