ثم سمت السورة الكريمة بعد ذلك بمنازل الذين يقومون بالدعوة إلى الحق بحكمة وإخلاص فقال - تعالى - : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المسلمين } .
أى . لا أحد أحسن قولا ، وأعظم منزلة ، ممن دعا غيره إلى طاعة الله - تعالى - وإلى المحافظة على أداء ما كلفه به .
ولم يكتف بهذه الدعوة لغيره ، بل أتبع ذلك بالعمل الصالح الذى يجعل المدعوين يزدادون استجابة له .
{ وَقَالَ } : بعد كل ذلك على سبيل السرور والابتهاج والتحدث بنعمة الله { إِنَّنِي مِنَ المسلمين } .
أى : من الذين أسلموا وجوههم لله - تعالى - وأخلصوا له القول والعمل .
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية ، أى : وهو فى نفسه مهتد بما يقوله ، فنفعه لنفسه لازم ومتعد ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه ، يونهون عن المنكر ويأتونه . . وهذه الآية عامة فى كل من دعا إلى خير ، وهو فى نفسه مهتد .
وقيل المراد بها المؤذنون الصلحاء . . . والصحيح أن الآية عامة فى المؤذنين وفى غيرهم .
ويختم هذا الشوط برسم صورة الداعية إلى الله ، ووصف روحه ولفظه ، وحديثه وأدبه . ويوجه إليها رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] وكل داعية من أمته . وكان قد بدأ السورة بوصف جفوة المدعوين وسوء أدبهم ، وتبجحهم النكير . ليقول للداعية : هذا هو منهجك مهما كانت الأمور :
( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال : إنني من المسلمين ! ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا ، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ، إنه هو السميع العليم ) .
إن النهوض بواجب الدعوة إلى الله ، في مواجهة التواءات النفس البشرية ، وجهلها ، واعتزازها بما ألفت ، واستكبارها أن يقال : إنها كانت على ضلالة ، وحرصها على شهواتها وعلى مصالحها ، وعلى مركزها الذي قد تهدده الدعوة إلى إله واحد ، كل البشر أمامه سواء .
إن النهوض بواجب الدعوة في مواجهة هذه الظروف أمر شاق . ولكنه شأن عظيم :
( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله ، وعمل صالحاً ، وقال : إنني من المسلمين ) .
إن كلمة الدعوة حينئذ هي أحسن كلمة تقال في الأرض ، وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء . ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة ؛ ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات . فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ .
ولا على الداعية بعد ذلك أن تتلقى كلمته بالإعراض ، أو بسوء الأدب ، أو بالتبجح في الإنكار . فهو إنما يتقدم بالحسنة . فهو في المقام الرفيع ؛ وغيره يتقدم بالسيئة . فهو في المكان الدون :
وقوله تعالى : { ومن أحسن قولاً } الآية ابتداء توصية محمد عليه السلام ، وهو لفظ يعم كل من دعا قديماً وحديثاً إلى الله تعالى وإلى طاعته من الأنبياء والمؤمنين ، والمعنى : لا أحد أحسن قولاً ممن هذه حاله ، وإلى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة ، وبين أن حالة محمد عليه السلام كانت كذلك مبرزة إلى تخصيصه بالآية ذهب السدي وابن زيد وابن سيرين . وقال قيس بن أبي حازم وعائشة أم المؤمنين وعكرمة : نزلت هذه الآية في المؤذنين . قال قيس : { وعمل صالحاً } هو الصلاة بين الآذان والإقامة . وذكر النقاش ذلك عن ابن عباس . ومعنى القول بأنها في المؤذنين أنهم داخلون فيها ، وأما نزولها فبمكة بلا خلاف ولم يكن بمكة آذان وإنما ترتب بالمدينة ، وإن الآذان لمن الدعاء إلى الله تعالى ولكنه جزء منه . والدعاء إلى الله بقوة كجهاد الكفار وردع الطغاة وكف الظلمة وغيره أعظم غناء من تولي الأذان إذ لا مشقة فيه ، والأصوب أن يعتقد أن الآية نزلت عامة . قال زيد بن علي المعنى : دعا إلى الله بالسيف .
وقرأ الجمهور : «إنني » بنونين . وقرأ ابن أبي عبلة : «إني » بنون واحدة .
وقال فضيل بن رفيدة{[10077]} : كنت مؤذناً في أصحاب ابن مسعود ، فقال لي عاصم بن هبيرة : إذا أكملت الآذان فقل : { إنني من المسلمين } ثم تلا هذه الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.