ولكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل ، مهما قيل لهم من ألوان الترغيب والترهيب فإن همتهم الساقطة وعزيمتهم الخائرة ، وطبيعتهم المنتكسة لم تتركهم فقد قالوا لنبيهم متذرعين بالمعاذير الكاذبة : { يا موسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } وقوله : { جَبَّارِينَ } جمع جبار " والجبار صيغة مبالغة من جبر الثلاثي .
ويطلق في اللغة على الطويل القوي العاتي الذي يجير غيره على ما يريد . مأخوذ من قولهم : مخلة جبارة أي : طويلة لا ينال ثمرها بالأيدي .
أي : قال بنو إسرائيل لنبيهم موسى - عليه السلام - إن الأرض التي وعدتنا بدخولها فيها قوم متغلبون على من يقاتلهم ، ولا قدرة لنا على لقائهم وإنا لن ندخل هذه الأرض المقدسة التي أمرتنا بدخولها ما دام هؤلاء الجبارين فيها ، فإن يخرجوا منها لأي سبب من الأسباب التي لا شأن لنا بها ، فنحن على استعداد لدخولها في راحة ويسر ، وبلا أدنى تعب أو جهد ولا شك أن قولهم هذا الذي حكته الآية الكريمة عنهم ليدل على منتهى الجبن والضعف ، لأنهم لا يريدون أن ينالوا نصرا باستخدام حواسهم البدنية أو العقلية ، وإنما يريدون أن ينالوا ما يبغون بقوة الخوارق والآيات ، وأمة هذا شأنها لا تستحق الحياة الكريمة ، لأنها لم تقدم العمل الذي يؤهلها لتلك الحياة :
وفي ندائهم لنبيهم باسمه مجرداً { قَالُوا ياموسى } سوء أدب منهم معه ، حيث استهانوا بمقام النبوة فنادوه باسمه حتى يكف عن دعوتهم إلى الجهاد . وفي قولهم { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا } امتناع عن القتال بإصرار شديد ، حيث أكدوا عدم دخولهم بحرف النفي ( لن ) وجعلوا غاية النفي أن يخرج الجبارون منها ، مع أن خروجهم منها بدون قتال أمر مستبعد ، وهم لا يريدون قتالا ، بل يريدون دخولا من غير معاناة ومجاهدة .
ولكن إسرائيل . ، هي إسرائيل ! ! ! الجبن . والتمحل . والنكوص على الأعقاب . ونقض الميثاق : ( قالوا : يا موسى إن فيها قوما جبارين ؛ وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) . إن جبلة يهود لتبدو هنا على حقيقتها ، مكشوفة بلا حجاب ولو رقيق من التجمل . ذلك أنهم أمام الخطر ؛ فلا بقية إذن من تجمل ؛ ولا محاولة إذن للتشجع ، ولا مجال كذلك للتمحل . إن الخطر ماثل قريب ؛ ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد الله لهم بأنهم أصحاب هذه الأرض ، وأن الله قد كتبها لهم - فهم يريدونه نصرا رخيصا ، لا ثمن له ، ولا جهد فيه . نصرا مريحا يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى !
( إن فيها قوما جبارين . . وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها . . فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) . .
ولكن تكاليف النصر ليست هكذا كما تريدها يهود ! وهي فارغة القلوب من الإيمان !
ثم ذكر عز وجل عن بني إسرائيل أنهم تعنتوا ونكصوا فقالوا { إن فيها قوماً جبارين } . والجبار فعال من الجبر كأنه لقوته وغشمه وبطشه يجبر الناس على إرادته ، والنخلة الجبارة العالية التي لا تنال بيد ، وكان من خبر الجبارين أنهم كانوا أهل قوة فلما بعث «موسى » الأثني عشر نقيباً مطلعين على أمر الجبارين وأحوالهم رأوا لهم قوة وبطشاً وتخيلوا أن لا طاقة لهم بهم فجاؤوا بني إسرائيل ونقضوا العهد في أن أخبروهم بحال { الجبارين } حسبما قدمناه في ذكر بعث النقباء ، ولم يف منهم إلا يوشع بن نوف وكالب بن يوفنا ، ثم إن بني إسرائيل كعوا وجبنوا وقالوا : كوننا عبيداً للقبط أسهل من قتال هؤلاء ، وهَّم كثير منهم أن يقدموا رجلاً على أنفسهم ويصير بهم إلى أرض مصر مرتدين على الأعقاب ، ونسوا أن الله تعالى إذا أيد الضعيف ُغلب القوي وأخبروا «موسى » أنهم لن يدخلوا الأرض ما دام الجبارون فيها ، وطلبوا منه أن يخرج الله الجبارين بجند من عنده وحينئذ يدخل بنو إسرائيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.