ثم أضافوا إلى هذا القول الباطل ، أقوالا أخرى لا تقل عن غيرها فى البطلان والفساد .
فقالوا - كما حكى القرآن - : { أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً } . : والاستفهام للإِنكار : أى : أجعل محمد صلى الله عليه وسلم الآلهة المتعددة ، إلها واحدا . وطلب منا أن ندين له بالعبادة والطاعة ؟
{ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أى : إن هذا الذى طلبه منا ، ودعانا إليه ، لشئ قد بلغ النهاية فى العجب والغرابة ومجاوزة ما يقبله العقل .
و { عُجَابٌ } أبلغ من عجيب . لأنك تقول فى الرجل الذى فيه طول : هذا رجل طويل ، بينما تقول فى الرجل الذى تجاوز الحد المعقول فى الطول : هذا رجل طوال .
فلفظ { عُجَابٌ } صيغة المبالغة سماعية ، وقد حكاها - سبحانه - عنهم للإِشعار بأنهم كانوا يرون - لجهلهم وعنادهم - أن ما جاءهم به الرسول - ؛ - هو شئ قد تجاوز الحد فى العجب والغرابة .
واسم الإِشارة يعود إلى جعله صلى الله عليه وسلم الآلهة إلها واحدا ، لأنهم يرون - لانطماس بصائرهم - أن ذلك مخالف مخالفة تامة لما ورثوه ، عن آبائهم وأجدادهم من عبادة للأصنام .
وما كان مخالفا لما ورثوه عن آبائهم فهو - فى زعمهم - متجاوز الحد فى العجب .
وعجبوا كذلك من دعوته إياهم إلى عبادة الله الواحد . وهي أصدق كلمة وأحقها بالاستماع :
( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? إن هذا لشيء عجاب . وانطلق الملأ منهم : أن امشوا واصبروا على آلهتكم ، إن هذا لشيء يراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) . .
ويصور التعبير القرآني مدى دهشتهم من هذه الحقيقة الفطرية القريبة . . ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? )كأنه الأمر الذي لا يتصوره متصور ! ( إن هذا لشيء عجاب ) . . حتى البناء اللفظي( عجاب )يوحي بشدة العجب وضخامته وتضخيمه !
{ أجعل الآلهة إلها واحدا } بأن جعل الألوهية التي كانت لهم لواحد . { إن هذا لشيء عجاب } بليغ في العجب فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا ، وما نشاهده من أن الواحد لا يفي علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة ، وقرئ مشددا وهو أبلغ ككرام وكرام . وروي أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شق ذلك على قريش ، فأتوا أبا طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا ، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل عليهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : ماذا يسألونني ، فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال : " أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم " ، فقالوا : نعم وعشرا ، فقال : " قولوا لا إله إلا الله " ، فقاموا وقالوا ذلك .
فجملة { أجعل الالهة إلها واحدا } بيان لجملة { هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ } ، أي حيث عدوه مباهتاً لهم بقلب الحقائق والأخبار بخلاف الواقع .
والهمزة للاستفهام الإِنكاري التعجيبي ولذلك أتبعوه بما هو كالعلة لقولهم : { ساحر } وهو { إنَّ هذا لشيء عجاب } أي يتعجب منه كما يتعجب من شعوذة الساحر .
و { عُجاب } : وصف الشيء الذي يتعجب منه كثيراً لأن وزن فُعال بضم أوله يدل على تمكن الوصف مثل : طُوال ، بمعنى المفرط في الطول ، وكُرام بمعنى الكثير الكرم ، فهو أبلغ من كريم ، وقد ابتدأوا الإِنكار بأول أصل من أصول كفرهم فإن أصول كفرهم ثلاثة : الإِشراكُ ، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإنكار البعث ، والجزاءِ في الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.