المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

93- ولقد مكنا لبنى إسرائيل بعد ذلك فعاشوا في أرض طيبة ، محافظين على دينهم ، بعيدين عن الظلم الذي كانوا فيه ، موفورة لهم الأرزاق والنعم ، ولكنهم ما إن ذاقوا نعمة العزة بعد الهوان ، حتى أصابهم داء الفرقة ، فاختلفوا ، مع أنه قد تبيَّن لهم الحق والباطل ، وسيقضى الله بينهم يوم القيامة ، ويجزى كلا منهم بما عمل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بعض مظاهر نعمه على بني إسرائيل بعد أن أهلك عدوهم فرعون فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بني إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات } .

وقوله : { بَوَّأْنَا } أى : أنزلنا وأسكنا ، من التبوء ، وهو اتخاذ المباءة أى : المنزل والمسكن .

وفى إضافة ألمبوأ إلى الصدق مدح له ، فقد جرت عادة العرب على أنهم إذا مدحوا شيئا أضافوه إلى الصدق فقالوا : رجل صدق إذا كان متحليا بمكارم الأخلاق .

قال الآلوسى : " والمراد بهذا المبوأ ، كما رواه ابن المنذر وغيره عن الضحاك : الشام ومصر ، فإن بنى إسرائيل الذين كانوا في زمان موسى - عليه السلام - وهم المرادون هنا ، ملكوا ذلك حسبما ذهب إليه جمع من الفضلاء .

وأخرج أبو الشيخ وغيره عن قتادة أن المراد به الشام وبيت المقدس ، واختاره بعضهم ، بناء على أن أولئك لم يعودوا إلى مصر بعد ذلك .

وينبغى أن يراد ببنى إسرائيل على القولين ، ما يشمل ذريتهم بناء على أنهم ما دخلوا الشام في حياة موسى - عليه السلام - إنما دخلها أبناؤهم - بقيادة يوشع بن نون .

وقيل المراد به أطراف المدينة إلى جهة الشام ، وببنى إسرائيل ؛ الذين كانوا على عهد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .

والمعنى : ولقد أنزلنا بنى إسرائيل بعد هلاك عدوهم فرعون منزلا صالحا مرضيا ، فيه الأمان ، والأطمئنان لهم ، وأعطيناهم فوق ذلك الكثير من ألوان المأكولات والمشروبات الطيبات التي أحللناها لهم .

وقوله : { فَمَا اختلفوا حتى جَآءَهُمُ العلم . . . } توبيخ لهم على موقفهم الجحودى من هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم .

أى : أنهم ما تفرقوا في أمور دينهم ودنياهم على مذاهب شتى ، إلا من بعد ما جاءهم العلم الحاسم لكل شبهة ، وهو ما بين أيديهم من الوحى الذي أمرهم الله - تعالى - أن يتلوه حق تلاوته ، وأن لا يستخدموه في التأويلات الباطلة .

فالجملة الكريمة توبخهم على جعلهم العلم الذي كان من الواجب عليهم أن يستعملوه - في الحق والخير - وسيلة للاختلاف والابتعاد عن الطريق المستقيم .

وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } تذييل قصد به الزجر عن الاختلاف واتباع الباطل .

أى : إن ربك يفصل بين هؤلاء المختلفين ، فيجازى أهل الحق بما يستحقونه من ثواب ، ويجازى أهل الباطل بما يستحقونه من عقاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

71

ويسدل الستار على المشهد النهائي في المأساة . مأساة البغي والفساد والتحدي والعصيان . . ويعقب السياق بلمحة سريعة عن مآل بني إسرائيل بعدها ، تستغرق ما حدث في أجيال :

( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ، ورزقناهم من الطيبات ، فما اختلفوا حتى جاءهم العلم . إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) . .

والمبوأ : مكان الإقامة الأمين . وإضافته إلى الصدق تزيده أماناً وثباتاً واستقراراً كثبات الصدق الذي لا يضطرب ولا يتزعزع اضطراب الكذب وتزعزع الافتراء . ولقد طاب المقام فترة لبني إسرائيل بعد تجارب طويلة ، لا يذكرها السياق هنا لأنها ليست من مقاصده ، وتمتعوا بطيبات من الرزق حلال ، حتى فسقوا عن أمر اللّه فحرمت عليهم . والسياق لا يذكر هنا إلا اختلافهم بعد وفاق . اختلافهم في دينهم ودنياهم ، لا على جهل ولكن بعد أن جاءهم العلم ، وبسبب هذا العلم ، واستخدامه في التأويلات الباطلة .

ولما كان المقام هنا مقام نصرة الإيمان وخذلان الطغيان ، فإن السياق لا يطيل في عرض ما وقع بعد ذلك من بني إسرائيل ، ولا يفصل خلافهم بعد ما جاءهم العلم . ولكن يطوي هذه الصفحة ، ويكلها بما فيها للّه في يوم القيامة :

( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) . .

فيبقى للقصة جلالها ، ويظل للمشهد الأخير تأثيره . .

وهكذا ندرك لماذا يساق القصص القرآني ، وكيف يساق في كل موضع من مواضعه . فليس هو مجرد حكايات تروى ، ولكنه لمسات وإيحاءات مقدرة تقديراً .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

{ ولقد بوّأنا } أنزلنا . { بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ } منزلا صالحا مرضيا وهو الشأم ومصر . { ورزقناهم من الطيبات } من اللذائذ . { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعد ما قرأوا التوراة وعلموا أحكامها ، أو في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته . { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك .