المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

67- وكنتم في إعراضكم متكبرين مستهزئين ، تصفون الوحي بالأوصاف القبيحة عندما تجتمعون للسمر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

وقوله - تعالى - { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } مقرر لمضمون ما قبله ، من إعراضهم عن آيات الله . ونكوصهم على أعقابهم عند سماعها .

والضمير فى { بِهِ } يرى جمهور المفسرين أنه يعود إلى البيت الحرام ، والباء للسببية .

وقوله : " سامرا " اسم جمع كحاج وحاضر وراكب ، مأخوذ من السمر وأصله ظل القمر وسمى بذلك لسمرته ، ثم أطلق على الحديث بالليل . يقال : سمر فلان يسمر - ككرم يكرم - إذا تحدث ليلاً مع غيره بقصد المسامرة والتسلية .

وقوله : { تَهْجُرُونَ } قرأه الجمهور - بفتح التاء وضم الجيم - مأخوذ من الهجر - بإسكان الجيم - بمعنى الصد والقطيعة ، أو من الهجر - بفتح الجيم - بمعنى الهذيان والنطق بالكلام الساقط ، بسبب المرض أو الجنون .

وقرأ نافع { تُهْجِرُونَ } بضم التاء وكسر الجيم - مأخوذ من هجر هجاراً إذا نطق بالكلام القبيح .

والمعنى : قد كانت آياتى تتلى عليكم - أيها المستغيثون من العذاب - فكنتم تعرضون عنها ، ولم تكتفوا بهذا الإعراض ، بل كنتم متكبرين على المسلمين بالبيت الحرام ، وكنتم تتسامرون بالليل حوله ، فتستهزئون بالقرآن ، وبالرسول صلى الله عليه وسلم وبتعاليم الإسلام وتنطقون خلال سمركم بالقول الباطل ، الذى يدل على مرض قلوبكم ، وفساد عقولكم ، وسوء أدبكم .

وقوله : { مُسْتَكْبِرِينَ } و { سَامِراً } و { تَهْجُرُونَ } أحوال ثلاثة مترادفة على واو الفاعل فى { تَنكِصُونَ } أو متداخلة ، بمعنى أن كل كلمة منها حال مما قبلها .

قال القرطبى : { مُسْتَكْبِرِينَ } حال ، والضمير فى { بِهِ } قال الجمهور : هو عائد على الحرم ، أو المسجد ، أو البلد الذى هو مكة . وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته فى الأمر .

أى : يقولون نحن أهل الحرم فلا نخاف . وقيل : المعنى أنهم يعتقدون فى نفوسهم أن لهم بالمسجد والحرم أعظم الحقوق على الناس والمنازل فيستكبرون لذلك .

وقالت فرقة : الضمير عائد على القرآن ، من حيث ذكرت الآيات .

والمعنى : يحدث لكم سماع آياتى كبرا وطغياناً فلا تؤمنوا بى . . . " .

والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة ، يراها تصور حسرة المشركين وجؤارهم يوم ينزل بهم العذاب تصويراً بديعاً ، كما تين ما كانوا عليه من غرور وسوء أدب ، مما جعلهم أهلاً لهذا المصير الأليم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

53

ولقد كانوا يطلقون ألسنتهم بهجر القول وفحشه في مجالسهم ؛ وهم يتحلقون حول الأصنام في سامرهم بالكعبة . فها هو ذا القرآن يرسم لهم مشهد حسابهم على ما هم فيه ؛ وهم يجأرون طالبين الغوث ، فيذكرهم بسمرهم الفاحش ، وهجرهم القبيح . وكأنما هو واقع اللحظة ، وهم يشهدونه ويعيشون فيه ! وذلك على طريقة القرآن الكريم في رسم مشاهد القيامة كانها واقع مشهود .

والمشركون في تهجمهم على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وعلى القرآن في نواديهم وفي سمرهم يمثلون الكبرياء الجاهلة ، التي لا تدرك قيمة الحق لأنها مطموسة البصيرة عمياء ، فتتخذ منه مادة للسخرية والهزء والاتهام . ومثل هؤلاء في كل زمان . وليست جاهلية العرب إلا نموذجا لجاهليات كثيرة خلت في الزمان ؛ وما تزال تظهر الآن بعد الآن !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

وقوله : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ } : في تفسيره قولان ، أحدهما : أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه ، استكبارًا عليه واحتقارًا له ولأهله ، فعلى هذا الضمير في { بِهِ } فيه ثلاثة أقوال :

أحدهما{[20590]} : أنه الحرم بمكة ، ذموا لأنهم كانوا يسمرون بالهُجْر{[20591]} من الكلام .

والثاني : أنه{[20592]} ضمير القرآن ، كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام : " إنه سحر ، إنه شعر ، إنه كهانة " إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة .

والثالث : أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة ، ويضربون له الأمثال الباطلة ، من أنه شاعر ، أو كاهن ، أو ساحر ، أو كذاب ، أو مجنون . وكل ذلك باطل ، بل هو عبد الله ورسوله ، الذي أظهره الله عليهم ، وأخرجهم من{[20593]} الحرم صاغرين أذلاء .

وقيل : المراد بقوله : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي : بالبيت ، يفتخرون به ويعتقدون أنهم{[20594]} أولياؤه ، وليسوا{[20595]} بهم ، كما قال النسائي في التفسير{[20596]} من سننه :

أخبرنا أحمد بن سليمان ، أخبرنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال : إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ } ، فقال : مستكبرين بالبيت ، يقولون : نحن أهله ، { سَامِرًا } قال : يتكبرون [ ويسمرون فيه ، ولا ]{[20597]} يعمرونه ، ويهجرونه{[20598]} .

وقد أطنب ابن أبي حاتم هاهنا بما ذا{[20599]} حاصله .


[20590]:- في أ : "أحدها".
[20591]:- في أ : "الهجر".
[20592]:- في أ : "هو".
[20593]:- في أ : "إلى".
[20594]:- في أ : "وتعتقدون أنكم".
[20595]:- في ف : "وليسم" وفي أ : "ولستم".
[20596]:- في ف ، أ : "تفسيره".
[20597]:- زيادة من ف.
[20598]:- سنن النسائي الكبرى برقم (11351).
[20599]:- في أ : "هذا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش : لا تضجوا اليوم وقد نزل بكم سخط الله وعذابه ، بما كسبت أيديكم واستوجبتموه بكفركم بآيات ربكم . قَد كانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ يعني : آيات كتاب الله ، يقول : كانت آيات كتابي تقرأ عليكم فتكذّبون بها وترجعون مولّين عنها إذا سمعتموها ، كراهية منكم لسماعها . وكذلك يقال لكلّ من رجع من حيث جاء : نكص فلان على عقبه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : فَكُنْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ قال : تستأخرون .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَكُنْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ يقول : تدبرون .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قَدْ كانَتْ آياتي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ، فَكُنْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ يعني أهل مكة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن . قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : تَنْكِصُونَ قال : تستأخرون .

وقوله : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ يقول : مستكبرين بحرم الله ، يقولون : لا يظهر علينا فيه أحد ، لأنا أهل الحرم .

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ يقول : مستكبرين بحرم البيت أنه لا يظهر علينا فيه أحد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ قال : بمكة بالبلد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هَوْذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ قال : مستكبرين بحرمي .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حصين ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : مُسْتَكْبِرِبنَ بِهِ بالحرم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ قال : مستكبرين بالحرم .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، مثله .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ قال : بالحرم .

وقوله : سامِرا يقول : تَسْمُرون بالليل . ووحد قوله : سامِرا وهو بمعنى السّمّار ، لأنه وضع موضع الوقت . ومعنى الكلام : وتهجُرون ليلاً ، فوضع السامر موضع الليل ، فوحّد لذلك . وقد كان بعض البصريين يقول : وُحّد ومعناه الجمع ، كما قيل : طفل في موضع أطفال . ومما يبين عن صحة ما قلنا في أنه وضع موضع الوقت فوحّد لذلك ، قول الشاعر .

مِنْ دُونِهمْ إنْ جئْتَهُمْ سَمَرا *** عَزْفُ القِيانِ ومَجْلِسٌ غَمْر

فقال : «سمرا » لأن معناه : إن جئتهم ليلاً وهم يسمُرون ، وكذلك قوله : سامِرا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : سامِرا يقول : يَسْمُرون حول البيت .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : سامِرا قال : مجلسا بالليل .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : سامِرا قال : مجالس .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن حُصين ، عن سعيد بن جُبير : سامِرا قال : تَسْمُرون بالليل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : سامِرا قال : كانوا يسمرون ليلتهم ويلعبون : يتكلمون بالشعر والكهانة وبما لا يدرون .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : سامِرا قال : يعني سَمَر الليل .

وقال بعضهم في ذلك ، ما :

حدثنا به ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : سامِرا يقول : سامرا من أهل الحرم آمنا لا يخاف ، كانوا يقولون : نحن أهل الحرم لا يَخافون .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، عن معمر ، عن قتادة : سامِرا يقول : سامرا من أهل مكة آمنا لا يخاف ، قال : كانوا يقولون : نحن أهل الرحم لا نخاف .

وقوله : تَهْجُرُونَ اختلفت القرّاء في قراءته ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : تَهْجُرُونَ بفتح التاء وضم الجيم . ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان من المعنى : أحدهما أن يكون عنى أنه وصفهم بالإعراض عن القرآن أو البيت ، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضه . والاَخر : أن يكون عنى أنهم يقولون شيئا من القول كما يهجُر الرجل في منامه ، وذلك إذا هَذَى فكأنه وصفهم بأنهم يقولون في القرآن ما لا معنى له من القول ، وذلك أن يقولوا فيه باطلاً من القول الذي لا يضرّه . وقد جاء بكلا القولين التأويل من أهل التأويل . ذكر من قال : كانوا يُعْرِضون عن ذكر الله والحقّ ويهجُرونه :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : تَهْجُرُونَ قال : يهجُرون ذكر الله والحقّ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن السديّ ، عن أبي صالح ، في قوله : سامرا تَهْجُرُونَ قال : السبّ .

ذكر من قال : كانوا يقولون الباطل والسيّىء من القول في القرآن :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن سعيد بن جُبير : تَهْجرُونَ قال : يهجُرون في الباطل .

قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حصين ، عن سعيد بن جبير : سامِرا تَهْجُرُونَ قال : يسمرون بالليل يخوضون في الباطل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : تَهْجُرُونَ قال : بالقول السيىء في القرآن .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : تهْجُرُونَ قال : الهَذَيان الذي يتكلم بما لا يريد ، ولا يعقل كالمريض الذي يتكلم بما لا يدري . قال : كان أبيّ يقرؤها : سامِرا تَهْجُرُونَ .

وقرأ ذلك آخرون : «سامرا تُهْجِرُونَ » بضم التاء وكسر الجيم . وممن قرأ ذلك كذلك من قرّاء الأمصار نافع بن أبي نعيم ، بمعنى : يُفْحِشون في المنطق ، ويقولون الخَنَا ، من قولهم : أهجر الرجل : إذا أفحش في القول . وذكر أنهم كانوا يسُبّون رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : «تُهْجِرُونَ » قال : تقولون هُجْرا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، عن أبي نَهِيك ، عن عكرِمة ، أنه قرأ : «سامِرا تَهْجِرُونَ » : أي تسبّون .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عون ، عن الحسن ، في قوله : «سامِرا تُهْجِرُونَ » رسولي .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، قال : قال الحسن : «تُهْجِرُونَ » رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، عن معمر ، عن قتادة : «تُهْجِرُونَ » يقول : يقولون سوءا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن : «تُهْجِرُونَ » كتاب الله ورسوله .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : «تُهْجِرُونَ »يقول : يقولون المنكر والخَنَا من القول ، كذلك هَجْر القول .

وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا القراءة التي عليها قرّاء الأمصار ، وهي فتح التاء وضم الجيم ، لإجماع الحجة من القرّاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

و { مستكبرين } حال ، والضمير في { به } قال الجمهور : هو عائد على الحرم والمسجد وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في الأمر ، والمعنى أنكم تعتقدون في نفوسكم أن لكم بالمسجد والحرم أعظم الحقوق على الناس والمنازل عند الله فأنتم تستكبرون لذلك وليس الاستكبار من الحق ، وقالت فرقة : الضمير " في [ به ] " {[8516]} عائد على القرآن من حيث ذكر الآيات والمعنى يحدث لكم سماع آياتي كبراً وطغياناً .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول جيد وذكر منذر بن سعيد أن الضمير لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهو متعلق بما بعده كأن الكلام ثم في قوله { مستكبرين } ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم ، { سامراً تهجرون } ، وقوله { سامراً } حال وهو مفرد بمعنى الجمع{[8517]} يقال قوم سمر وسمر وسامر ومعناه سهر الليل مأخوذ من السمر وهو ما يقع على الأشخاص{[8518]} من ضوء القمر فكانت العرب تجلس للسمر تتحدث{[8519]} وهذا أوجب معرفتها بالنجوم لأنها تجلس في الصحراء فترى الطوالع من الغوارب ، وقرأ الجمهور «سامراً » وقرأ أبو رجاء «سماراً » ، وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن محيصن «سمراً »{[8520]} ومن هذه اللفظة قول الشاعر : [ الكامل ]

من دونهم إن جئتهم سمراً . . . عزف القيان ومجلس غمر{[8521]}

فكانت قريش سمر حول الكعبة مجالس في أباطيلها وكفرها ، وقرأ الجمهور «تَهجُرون » بفتح التاء وضم الجيم واختلف المتأولون في معناها فقال ابن عباس : معناها تهجرون الحق وذكر الله وتقطعونه من الهجر المعروف ، وقال ابن زيد : من هجر المريض إذا هذى أي تقولون اللغو من القول وقاله أبو حاتم ، وقرأ نافع وحده من السبعة «تهجِرون » بضم التاء وكسر الجيم وهي قراءة أهل المدينة وابن محيصن وابن عباس أيضاً ومعناه يقولون الفحش والهجر والعضاية من القول وهذه إشارة إلى سبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاله ابن عباس أيضاً وغيره ، وفي الحديث «كنت نهيتكم عن زيادة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً »{[8522]} ، وقرأ ابن محيصن وابن أبي نهيك «تُهَجِّرون » بضم التاء وفتح الهاء وشد الجيم مكسورة وهو تضعيف هجر وتكثير الهجر والهجر على المعنيين المتقدمين ، وقال ابن جني : لو قيل إن المعنى أنكم تبالغون في المهاجرة حتى أنكم وإن كنتم سمراً بالليل فكأنكم تهجرون في الهاجرة على غاية الافتضاح لكان وجهاً{[8523]} .

قال القاضي أبو محمد : ولا تكون هذه القراءة تكثير «تُهجِّرون » بضم التاء ، وكسر الجيم لأن أفعل لا يتعدى ولا يكثر بتضعيف إذ التضعيف والهمزة متعاقبان .


[8516]:في الأصول: الضمير عائد على القرآن.
[8517]:وهذا كقوله تعالى: {ثم نخرجكم طفلا} أي: أطفالا، وكقول العرب: الحاضر، وهم القوم النازلون على الماء، والباقر لجمع البقر، والجامل لجمع الإبل، للذكور والإناث.
[8518]:نقل القرطبي كعادته كلام ابن عطية هنا ولم يشر إليه، وذكر كلمة "الأشجار" بدلا من "الأشخاص".
[8519]:كانت تجلس تتحدث حول الكعبة في ضوء القمر أو في سمره، فسمي التحدث سمرا.
[8520]:أما قراءة أبي رجاء [سمارا] فهي مثل كاتب وكتاب، وشارب وشراب، وأما قراءة ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهم [سمرا] فقد قرأ بها أيضا عبد الله بن مسعود والسمر: جمع سامر، والسامر: القوم يسمرون، قال ذو الرمة: وكم عرست بعد السرى من معرس به من كلام الجن أصوات سامر يتحدث عن الناقة، والتعريس: النزول آخر الليل للنوم والراحة.
[8521]:البيت في اللسان (سمر) ـ ذكره مرتين، في المرة الأولى استشهد به على أن السمر هو حديث الليل، ورواه كما رواه ابن عطية هنا، ولم ينسبه، ثم عاد وذكره مرة ثانية شاهدا على أن السمر هو الليل، ونسبه إلى ابن أحمر، ولفظه: من دونهم إن جئتهم سمرا حي حلال لملم عكر فالسمر هنا: الليل، والحي الحلال ـ بكسر الحاء ـ هم القوم النازلون على الماء أو نحوه، ولملم: كثير مجتمع، والعكر: الكثير المتراكم بعضه فوق بعض أو المجتمع بعضه إلى بعض، أما المجلس الغمر ـ على رواية المؤلف ـ فهو الجماعة الكثيرة يجتمعون للحديث والسمر.
[8522]:أخرجه النسائي في الجنائز، ومالك في الموطأ في الضحايا، وأحمد في مسنده (3 ـ 63، 66، 237، 250 ـ 5 ـ 361)، ولفظه في مسند أحمد عن محمد بن عمرو بن ثابت عن أبيه، قال: مر بي ابن عمر رضي الله عنهما فقلت: من أين أصبحت غاديا أب عبد الرحمن؟ وفي رواية أين يريد يا أبا عبد الرحمن؟ ـ قال: إلى أبي سعيد الخدري، فانطلقت معه، فقال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إني نهيتكم عن لحوم الأضاحي وادخاره بعد ثلاثة أيام، فكلوا وادخروا فقد جاء الله بالسعة، ونهيتكم عن أشياء من الأشربة والأنبذة، فاشربوا، وكل مسكر حرام، ونهيتكم عن زيارة القبور، فإن زرتموها فلا تقولوا هجرا)، والحديث في لسان العرب (هجر)، وقد نقل بعد أن ذكر الحديث أن الكسائي والأصمعي قالا: الهجر: الإفحاش في المنطق والخنا، وهو بالضم من الإهجار، ويقال منه: يهجر.
[8523]:ومن كلام ابن جني الذي ذكره لتوضيح رأيه: "فهذا كقولك لصاحبك: أنت مساترا معلن، وأنت محسنا مسيء، أي: أنت في حال مساترتك معلن، وأنت في حال إحسانك عندي مسيء". وقياسا على ذلك يقال: أنت في حال سمرك ليلا مهجر، أي كأنك تفعل الشيء الفاضح في وقت الهاجرة ولو كنت في سواد الليل لأنك مجاهر لا تحتشم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

ضمير { به } يجوز أن يكون عائداً على الآيات لأنها في تأويل القرآن فيكون { مستكبرين } بمعنى معرضين استكباراً ويكون الباء بمعنى ( عن ) ، أو ضمّن { مستكبرين } معنى ساخرين فعدي بالباء للإشارة إلى تضمينه .

ويجوز أيضاً أن يكون الضمير للبيت أو المسجد الحرام وإن لم يتقدم له ذكر لأنه حاضر في الأذهان فلا يسمع ضمير لم يتقدم له معاد إلا ويُعلم أنه المقصود بمعونة السياق لا سيما وقد ذكرت تلاوة الآيات عليهم . وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات القرآن في المسجد الحرام إذ هو مجتمعهم . فتكون الباء للظرفية . وفيه إنحاء عليهم في استكبارهم . وفي كون استكبارهم في ذلك الموضع الذي أمر الله أن يكون مظهراً للتواضع ومكارم الأخلاق ، فالاستكبار في الموضع الذي شأن القائم فيه أن يكون قانتاً لله حنيفاً أشنعُ استكبار .

وعن منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي قاضي قرطبة أن الضمير في قوله { به } للنبيء صلى الله عليه وسلم والباء حينئذٍ للتعدية ، وتضمين { مستكبرين } معنى مكذبين لأن استكبارهم هو سبب التكذيب .

{ وسامراً } حال ثانية من ضمير المخاطبين ، أي حال كونكم سامرين . والسامر : اسم لجمع السامرين ، أي المتحدثين في سمر الليل وهو ظلمته ، أو ضوء قمره .

وأطلق السمر على الكلام في الليل ، فالسامر كالحاج والحاضر والجامل بمعنى الحجاج والحاضرين وجماعة الجمال . وعندي أنه يجوز أن يكون { سامراً } مراداً منه مجلس السمر حيث يجتمعون للحديث ليلاً ويكون نصبه على نزع الخافض ، أي في سامركم ، كما قال تعالى : { وتأتون في ناديكم المنكر } [ العنكبوت : 29 ] .

{ وتُهجِرون } بضم التاء وسكون الهاء وكسر الجيم في قراءة نافع مضارع أهجر : إذا قال الهُجر بضم الهاء وسكون الجيم وهو اللغو والسب والكلام السيء . وقرأ بقية العشرة بفتح التاء من هجر إذا لغا . والجملة في موضع الصفة ل { سامراً } ، أي في حال كونكم متحدثين هجراً وكان كبراء قريش يسمرون حول الكعبة يتحدثون بالطعن في الدين وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم