المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا} (31)

31- وإذا كان أمر الأرزاق بيد الله فلا يجوز أن تقتلوا أولادكم خوف فقر متوقع ، لأنَّا نحن ضامنون رزقهم ورزقكم ، إن قتلهم كان إثماً عظيماً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا} (31)

وقوله - سبحانه - : { وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ . . . } نهى عن قتل الأولاد بعد بيان أن الأرزاق بيده - سبحانه - ، يبسطها لمن يشاء ، ويضيقها على من يشاء .

والإِملاق : الفقر . يقال : أملق الرجل إذا افتقر قال الشاعر : .

وإنى على الإِملاق يا قوم ماجد . . . أعد لأضيافى الشواء المصهبا

قال الآلوسى : وظاهر اللفظ النهى عن جميع أنواع قتل الأولاد ، ذكورا أو إناثا مخافة الفقر والفاقة .

لكن روى أن من أهل الجاهلية من كان يئد البنات مخافة العجز عن النفقة عليهن ، فنهى فى الآية عن ذلك ، فيكون المراد بالأولاد البنات ، وبالقتل الوأد . . .

أى : ولا تقتلوا - أيها الآباء - أولادكم خشية فقر متوقع ، فنحن قد تكفلنا برزقهم ورزقكم ، وأرزاق غيركم من مخلوقاتنا التى لا تحصى .

قال - تعالى - : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا . . } ولا شك أن الحياة حق لهؤلاء الصغار كما أنها حق لكم ، فمن الظلم البين الاعتداء على حقوقهم ، والتخلص منهم خوفا من الفقر المتوقع فى المستقبل ، مع أن الله - تعالى - هو الرازق لهم ولكم فى كل زمان ومكان .

وقد ورد النهى عن قتل الاولاد هنا بهذه الصيغة ، وورد فى سورة الأنعام بصيغة أخرى ، هى قوله - تعالى - : { وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } وليست أحدهما تكرارا للأخرى وإنما كل واحدة منهما تعالج حالة معينة .

فهنا يقول - سبحانه - : { وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } لأن النهى موجه بالأصالة إلى الموسرين الذين يقتلون أولادهم لا من أجل فقر كائن فيهم ، وإنما من أجل فقر هم يتوهمون حصوله فى المستقبل بسبب الأولاد ، لذا قال - سبحانه - { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } فقدم رزق الأولاد لأنهم سبب توقع الفقر ، فى زعم آبائهم - لكى يمتنع الآباء عن هذا التوقع ولكى يضمن للأولاد رزقهم ابتداء مستقلا عن رزق الآباء .

وقال - سبحانه - هناك { من إملاق } لأن النهى متوجه أصالة إلى الآباء المعسرين : أى لا تقتلوهم بسبب الفقر الموجود فيكم - أيها الآباء - ، فقد يجعل الله بعد عسر يسرا ، ولذا قال - سبحانه - : { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } فجعل الرزق للآباء ابتداء . لكى يطمئنهم - سبحانه - على أنه هو الكفيل برزقهم وبرزق أولادهم .

وفى كلتا الحالتين ، القرآن الكريم ينهى عن قتل الأولاد ، ويغرس فى نفوس الآباء الثقة بالله - تعالى - والاعتماد عليه .

وجملة { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } تعليل للنهى عن قتل الأولاد ، بإبطال موجبه - فى زعمهم - وهو الفقر .

أى : نحن نرزقهم لا أنتم ، ونرزقكم أنتم معهم ، وما دام الأمر كذلك فلا تقدموا على تلك الجريمة النكراء : وهى قتل الأولاد ، لأن الأولاد ، قطعة من أبيهم ، والشأن - حتى فى الحيوان الأعجم - أنه يضحى من أجل أولاده ويحميهم ، ويتحمل الصعاب فى سبيلهم .

وقوله { إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } تعليل آخر للنهى عن قتل الأولاد جئ به على سبيل التأكيد .

والخِطْء : هو الإِثم - وزنا ومعنى - ، مصدر خَطِئَ خِطْئًا كأثم إثما من باب علم .

أى : أن قتل الأولاد كان عند الله - تعالى - إثما كبيرا فاحشا ، يؤدى إلى التعاسة والشقاء فى الدنيا والآخرة :

والحق أن المجتمع الذى يبيح قتل الأولاد ، خوفا من الفقر أو العار ، لا يمكن أن يصلح شأنه ، لأنه مجتمع نفعى تسوده الأثرة والأنانية والتشاؤم والأوهام ، لأن أفراده يظنون أن الله يخلق خلقا لا يدبر لهم رزقهم ، ويعتدون على روح بريئة طاهرة ، تخوفا من فقر أو عار مترقب ، وذلك هو الضلال المبين .

ورحم الله الإِمام الرازى فقد قال عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : إن قتل الأولاد إن كان لخوف الفقر ، فهو سوء ظن بالله . وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعى فى تخريب العالم . فالأول : ضد التعظيم لأمر الله - تعالى - والثانى : ضد الشفقة على خلقه ، وكلاهما مذموم .

ولقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم برعاية الأبناء ، وحذر من الاعتداء عليهم فى أحاديث كثيرة ، ومن ذلك ما جاء فى الصحيحين عن عبدالله بن مسعود قال : " قلت يا رسول الله ، أى الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك . قلت : ثم أى ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك . قلت : ثم أى ؟ قال : أن تزنى بحليلة جارك " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا} (31)

22

وكان بعض أهل الجاهلية يقتلون البنات خشية الفقر والإملاق ؛ فلما قرر في الآية السابقة أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، أتبعه بالنهي عن قتل الأولاد خشية الإملاق في المكان المناسب من السياق . فما دام الرزق بيد الله ، فلا علاقة إذن بين الإملاق وكثرة النسل أو نوع النسل ؛ إنما الأمر كله إلى الله . ومتى انتفت العلاقة بين الفقر والنسل من تفكير الناس ، وصححت عقيدتهم من هذه الناحية فقد انتفى الدافع إلى تلك الفعلة الوحشية المنافية لفطرة الأحياء وسنة الحياة :

( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ، إن قتلهم كان خطأ كبيرا ) . .

إن انحراف العقيدة وفسادها ينشيء آثاره في حياة الجماعة الواقعية ، ولا يقتصر على فساد الاعتقاد والطقوس التعبدية . وتصحيح العقيدة ينشيء آثاره في صحة المشاعر وسلامتها ، وفي سلامة الحياة الاجتماعية واستقامتها . وهذا المثل من وأد البنات مثل بارز على آثار العقيدة في واقع الجماعة الإنسانية . وشاهد على أن الحياة لا يمكن إلا أن تتأثر بالعقيدة ، وأن العقيدة لا يمكن أن تعيش في معزل عن الحياة .

ثم نقف هنا لحظة أمام مثل من دقائق التعبير القرآني العجيبة .

ففي هذا الموضع قدم رزق الأبناء على رزق الآباء : نحن نرزقهم وإياكم وفي سورة الأنعام قدم رزق الآباء على رزق الأبناء : ( نحن نرزقكم وإياهم ) . وذلك بسبب اختلاف آخر في مدلول النصين . فهذا النص : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم : والنص الآخر ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) .

هنا قتل الأولاد خشية وقوع الفقر بسببهم فقدم رزق الأولاد . وفي الأنعام قتلهم بسبب فقر الآباء فعلا . فقدم رزق الآباء . فكان التقديم والتأخير وفق مقتضى الدلالات التعبيرية هنا وهناك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا} (31)

القول في تأويل قوله تعالى { وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُم إنّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } .

يقول تعالى ذكره : وَقَضَى رَبّكَ يا محمد ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ وَبالوَالِدَيْنِ إحْسانا ، وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ فموضع تقتلوا نُصب عطفا على ألا تعبدوا .

ويعني بقوله : خَشْيَةَ إمْلاقٍ خوف إقتار وفقر . وقد بيّنا ذلك بشواهده فيما مضى ، وذكرنا الرواية فيه . وإنما قال جلّ ثناؤه ذلك للعرب ، لأنهم كانوا يقتلون الإناث من أولادهم خوف العيلة على أنفسهم بالإنفاق عليهن ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَة إمْلاقٍ : أي خشية الفاقة ، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة ، فوعظهم الله في ذلك ، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله ، فقال : نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وإيّاكُمْ إنّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبيرا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة خَشْيَة إمْلاقٍ قال : كانوا يقتلون البنات .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَة إمْلاقٍ قال : الفاقة والفقر .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله خَشْيَة إمْلاقٍ يقول : الفقر .

وأما قوله : إنّ قَتْلَهُمْ كان خِطْأً كَبِيرا فإن القراء اختلفت في قراءته فقرأته عامّة قراء أهل المدينة والعراق إنّ قَتْلَهُمْ كان خِطْأً كَبِيرا بكسر الخاء مِن الخطإِ وسكون الطاء . وإذا قرىء ذلك كذلك ، كان له وجهان من التأويل : أحدهما أن يكون اسما من قول القائل : خَطِئت فأنا أَخْطَأ ، بمعنى : أذنبت وأثمت . ويُحكى عن العرب : خَطِئتَ : إذا أذنبتَ عمدا ، وأخطأت : إذا وقع منك الذنب خَطَأ على غير عمد منك له . والثاني : أن يكون بمعنى خَطَأ بفتح الخاء والطاء ، ثم كسرت الخاء وسكنت الطاء ، كما قيل : قِتْب وقَتَب وحَذَر وحِذْر ، ونَجِس ونَجَس . والخِطْء بالكسر اسم ، والخَطَأ بفتح الخاء والطاء مصدر من قولهم : خَطِىء الرجل وقد يكون اسما من قولهم : أخطأ . فأما المصدر منه فالإخطاء . وقد قيل : خَطِىء ، بمعنى أخطأ ، كما قال الشاعر :

*** يا لَهْفَ هِنْدٍ إذْ خَطِئْنَ كاهِلا ***

بمعنى : أخطأن . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل المدينة : «إنّ قَتْلَهُمْ كانَ خَطَأً » بفتح الخاء والطاء مقصورا على توجيهه إلى أنه اسم من قولهم : أخطأ فلان خطأ . وقرأه بعض قراء أهل مكة : «إنّ قَتْلهُمْ كان خَطاءً » بفتح الخَاء والطاء ، ومدّ الخَطَاء بنحو معنى من قرأه خطأ بفتح الخاء والطاء ، غير أنه يخالفه في مدّ الحرف .

وكان عامة أهل العلم بكلام العرب من أهل الكوفة وبعض البصريين منهم يرون أن الخِطْء والخَطَأ بمعنى واحد ، إلاّ أن بعضهم زعم أن الخِطْء بكسر الخاء وسكون الطاء في القراءة أكثر ، وأَن الخطأ بفتح الخاء والطاء في كلام الناس أفشى ، وأنه لم يسمع الخِطْء بكسر الخاء وسكون الطاء ، في شيء من كلامهم وأشعارهم ، إلا في بيت أنشده لبعض الشعراء :

الخِطْءُ فاحِشَةٌ والبِرّ نافِلَةٌ *** كعَجْوَة غُرِسَتْ فِي الأرْضِ تُؤْتَبرُ

وقد ذكرت الفرق بين الخِطْء بكسر الخاء وسكون الطاء وفتحهما .

وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب ، القراءة التي عليها قراء أهل العراق ، وعامة أهل الحجاز ، لإجماع الحجة من القراء عليها ، وشذوذ ما عداها . وإن معنى ذلك كان إثما وخطيئة ، لا خَطَأ من الفعل ، لأنهم إنما كانوا يقتلونهم عمدا لا خطأ ، وعلى عمدهم ذلك عاتبهم ربهم ، وتقدم إليهم بالنهي عنه . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد خِطْأً كَبِيرا قال : أي خطيئة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد إنّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرا قال : خطيئة . قال ابن جريج ، وقال ابن عباس : خِطأ : أي خطيئة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا} (31)

قرا الأعمش وابن وثاب «ولا تقتّلوا » بتضعيف الفعل ، وهذه الآية نهي عن الوأد الذي كانت العرب تفعله ، وهو قوله تعالى : { وإذا الموءودة سئلت }{[7539]} ، ويقال كان جهلهم يبلغ أن يغدو أحدهم كلبه ويقتل ولده ، و { خشية } نصب على المفعول من أجله ، و «الإملاق » الفقر وعدم الملك ، أملق الرجل لم يبق له إلا الملقات وهي الحجارة العظام الملس السود ، وقرأ الجمهور «خِطْئاً » بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمز والقصر ، وقرأ ابن عامر «خطئاً » بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة ، وهي قراءة أبي جعفر ، وهاتان قراءتان مأخوذتان من خطىء إذا أتى الذنب على عمد ، فهي كحذر وحذر ومثل ومثل وشبه وشبه اسم ومصدر ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]

الخطء فاحشة والبر نافلة . . . كعجوة غرست في الأرض تؤتبر{[7540]}

قال الزجاج يقال خطىء الرجل يخطأ خطأً مثل أثم إثماً فهذا هو المصدر وخطأ اسم منه ، وقال بعض العلماء خطىء معناه واقع الذنب عامداً ، ومنه قوله تعالى : { لا يأكله إلا الخاطئون } [ الحاقة : 37 ] ، وأخطأ واقع الذنب عن غير تعمد ، ومنه قوله تعالى : { إن نسينا أو أخطأنا }{[7541]} ، وقال أبو علي الفارسي : وقد يقع هذا موضع هذا ، وهذا موضع هذا ، فأخطأ بمعنى تعمد في قول الشاعر : [ الوافر ]

عبادك يخطئون وأنت رب . . . كريم لا يليق بك الذموم{[7542]}

وخطىء بمعنى لم يتعمد في قول الآخر : [ الكامل ]

والناس يلحون الأمير إذا همُ . . . خطئوا الصواب ولا يلام المرشد{[7543]}

وقد روي عن ابن عامر «خَطأً » بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزة ، وقرأ ابن كثير «خِطَاء » بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمزة ، وهي قراءة الأعرج بخلاف ، وطلحة وشبل والأعمش وعيسى وخالد بن إياس وقتادة والحسن بخلاف عنه ، قال النحاس ولا أعرف لهذه القراءة وجهاً ، وكذلك جعلها أبو حاتم غلطاً . قال أبو علي الفارسي : هي مصدر من خاطأ يخاطىء وإن كنا لم نجد خاطَأ ولا كنا وجدنا تخاطأ وهو مطاوع خاطأ ، فدلنا عليه ، فمنه قول الشاعر : [ المتقارب ]

تخاطأت النبْل أحشاءه . . . وخر يومي فلم أعجل{[7544]}

وقول الآخر في صفة كماة : [ الطويل ]

تَخَاطَأَه القنّاصُ حتى وجدته . . . وخرطومه في مَنْقَع الماء راسب{[7545]}

فكأن هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحق والعدل ، وقرأ الحسن فيما روي عنه «خَطَاء » بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة قال أبو حاتم : لا يعرف هذا في اللغة ، وهو غلط غير جائز وليس كما قال أبو حاتم ، قال أبو الفتح : الخطاء من أخْطَأت بمنزلة العطاء من أعطيت ، هو اسم يعني المصدر ، وقرأ الحسن بخلاف «خَطاً » بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز ، وقرأ أبو رجاء والزهري «خِطاً » بكسر الخاء وفتح الطاء كالتي قبلها ، وهاتان مخففتان من خطأ وخطاء .


[7539]:الآية (8) من سورة (التكوير).
[7540]:يستشهد ابن عطية بهذا البيت على أن الِخْطَء بكسر الخاء وسكون الطاء قد وردت في اللغة مثل الخطأ بفتح الخاء والطاء، وقال: إنهما في ذلك مثل: شبه وسبه، وحذر وحذر، ومثل ومثل. والفاحشة: القبيح الشنيع من قول أو فعل، والنافلة: ما زاد على النصيب أو الحق، والعجوة: نوع جيد من تمر المدينة، وتؤتبر: تلقح، يقال: أبر النخل وأبره: لقحه. والبر هو الخير، وقد جعله الشاعر مقابلا للخطـأ، وجعل الخير مصدرا للمنفعة.
[7541]:من الآية (286) آخر آية في سورة (البقرة).
[7542]:هذا شاهد يذكره ابن عطية نقلا عن الفارسي دليلا على أن (أخطأ) قد تأتي إذا فعل الإنسان الذنب مع التعمد، أي: تأتي في موضع (خطىء) ، والبيت في اللسان، وقد ذكره شاهدا على أن (خطىء) بمعنى: أثم، وضبط الفعل بفتح الياء والطاء (يخطئون) على أنها مضارع (خطىء)، كذلك ذكره ابن جني في المحتسب، والرواية فيه "وأنت رب بكفيك المنايا والحتوم" وهي جمع حتم، وهو القضاء وإيجابه، أما أبو علي الفارسي فيجعلها مضارع (أخطأ)، وتبعه ابن عطية، وعلى كلا الفهمين فإن الخطأ في البيت بمعنى الإثم، والذموم: العيوب، وقد أنشد سيبويه لأمية بن أبي الصلت: سلامك ربنا في كل فجر بريئا ما تغنثك الذمـــــوم أي: ما تنسب إليك العيوب. ومعنى بيتنا هنا: إن عبادك يارب يرتكبون الآثام وأنت رب رحيم كريم لا تلحق بك العيوب.
[7543]:سبق الاستشهاد بهذا البيت في هذه السورة عند تفسير قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها}، وكان شاهدا على أن كلمة (الأمير) تأتي بمعنى المرشد والناصح، وهو هنا شاهد على أن (خطىء) قد تأتي بمعنى مواقعة الذنب دون تعمد على خلاف المشهور في اللغة.
[7544]:هذا بيت قاله أوفى بن ممطر المازني، قال ذلك في اللسان (خطأ) ، وذكره مع بيت قبله، قال: "وتخاطأه وتخطاه أي أخذأه، قال أوقى بن مطر المازني: ألا أبلغا خلتي جابرا بأن خليلك لم يقتـــــل تخطأت النبل أحشاءه وأخر يومي فلم يعجل هكذا بلفظ (تخطأت)، وعلى هذا فلا شاهد فيه لأبي علي الفارسي، فقد ذكره شاهدا على أن (تخاطأ) مضارع (خاطأ) قد سمع عن العرب، وأنه دليل لنا على أن (خاطأ) موجودة، ومصدرها (خطاء) التي قرأ بها ابن كثير وغيره. أما كلمة (أخر) فمعناها: تأخر ، ويجوز ضبطها (أخر) بضم الهمزة وكسر الخاء المشددة، ورواية اللسان (يعجل) يريد اليوم، ورواية ابن عطية (أعجل) يريد نفيه، يبشر خليله بأن النبال قد أخطأته أو تخطته فلم تصبه، وأن يومه قد تأجل.
[7545]:و هذا أيضا شاهد على أن (تخاطأ) موجودة، وهي مضارع (خاطأ)، وعلى هذا جاءت قراءة ابن كثير [خطاء] التي هي مصدر خاطأ. والقناص: الصائد، والخرطوم: الأنف، أو طرفه، وقيل: الوجه كله. ومنقع الماء: المكان الذي اجتمع فيه الماء وثبت. والرسوب: الذهاب في الماء سفلا. وقد ذكر ابن عطية هنا وأبو حيان في البحر أن البيت في صفة كمأة، وهي اسم للجمع من الكمء، وهو فطر من فصيلة أرضية تنتفخ في باطن الأرض، وتجمع وتؤكل مطبوخة، ويختلف حجمها بحسب الأنواع، وقال في القرطبي إن البيت في وصف مهاة.