المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَالِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ} (20)

20- وتَعَرَّفَ جنوده من الطير فلم يجدوا الهدهد ، فتعجب وقال : مالي لا أرى الهدهد ؟ أهو بيننا ولم يقع عليه نظري ، أم هو غائب عنا ليس بيننا ؟ !

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَالِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ} (20)

ثم تحكى السورة الكريمة بعد ذلك ما دار بين سليمان - عليه السلام - وبين جندى من جنود مملكته وهو الهدهد ، فقال - تعالى - : { وَتَفَقَّدَ الطير . . . . } .

التفقد : تطلب الشىء ومعرفة أحواله ، ومنه قولهم : تفقد القائد جنوده ، أى : تطلب أحوالهم ليعرف حاضرهم من غائبهم .

والطير اسم جنس لكل ما يطير ، ومفرده طائر ، والمراد بالهدهد هنا : طائر معين وليس الجنس .

و { أَمْ } منقطعة بمعنى بل .

أى : وأشرف سليمان - عليه السلام - على أفراد مملكته ليعرف أحوالها ، فقال بعد أن نظر فى أحوال الطير : { مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد } أى : ما الذى حال بينى وبين رؤية الهدهد ثم تأكد من غيابه فقال بل هو من الغائبين .

قال الآلوسى : " والظاهر أن قوله - عليه السلام - ذلك ، مبنى على أنه ظن حضوره ومنه مانع له من رؤيته ، أى : عدم رؤيتى إياه مع حضوره ، لأي سبب ؟ ألساتر أم لغيره . ثم لاح له أنه غائب ، فأضرب عن ذلك وأخذ يقول : { أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين } كأنه يسأل عن صحة ما لاح له . فأم هى المنقطعة ، كما فى قولهم : إنها لإبل أم شاء . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَالِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ} (20)

15

والآن نأتي إلى قصة سليمان مع الهدهد وملكة سبأ وهي مقطعة إلى ستة مشاهد ، بينها فجوات فنية ، تدرك من المشاهد المعروضة ، وتكمل جمال العرض الفني في القصة ، وتتخللها تعقيبات على بعض المشاهد تحمل التوجيه الوجداني المقصود بعرضها في السورة ؛ وتحقق العبرة التي من أجلها يساق القصص في القرآن الكريم . وتتناسق التعقيبات مع المشاهد والفجوات تنسيقا بديعا ، من الناحيتين : الفنية الجمالية ، والدينية الوجدانية .

ولما كان افتتاح الحديث عن سليمان قد تضمن الإشارة إلى الجن والإنس والطير ، كما تضمن الإشارة إلى نعمة العلم ، فإن القصة تحتوي دورا لكل من الجن والإنس والطير . ويبرز فيها دور العلم كذلك . وكأنما كانت تلك المقدمة إشارة إلى أصحاب الأدوار الرئيسية في القصة . . وهذه سمة فنية دقيقة في القصص القرآني .

كذلك تتضح السمات الشخصية والمعالم المميزة لشخصيات القصة : شخصية سليمان ، وشخصية الملكة ، وشخصية الهدهد ، وشخصية حاشية الملكة . كما تعرض الانفعالات النفسية لهذه الشخصيات في شتى مشاهد القصة ومواقفها .

يبدأ المشهد الأول في مشهد العرض العسكري العام لسليمان وجنوده ، بعدما أتوا على وادي النمل ، وبعد مقالة النملة ، وتوجه سليمان إلى ربه بالشكر والدعاء والإنابة :

وتفقد الطير فقال : مالي لا أرى الهدهد ? أم كان من الغائبين ? لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ، أو ليأتيني بسلطان مبين . .

فها هو ذا الملك النبي . سليمان . في موكبه الفخم الضخم . ها هو ذا يتفقد الطير فلا يجد الهدهد . ونفهم من هذا أنه هدهد خاص ، معين في نوبته في هذا العرض . وليس هدهدا ما من تلك الألوف أو الملايين التي تحويها الأرض من أمة الهداهد . كما ندرك من افتقاد سليمان لهذا الهدهد سمة من سمات شخصيته : سمة اليقظة والدقة والحزم . فهو لم يغفل عن غيبة جندي من هذا الحشر الضخم من الجن والإنس والطير ، الذي يجمع آخره على أوله كي لا يتفرق وينتكث .

وهو يسأل عنه في صيغة مترفعة مرنة جامعة : ( ما لي لا أرى الهدهد ? أم كان من الغائبين ? ) .