مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَالِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ} (20)

قوله تعالى : { وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغآئبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون } .

اعلم أن سليمان عليه السلام لما تفقد الطير أوهم ذلك أنه إنما تفقده لأمر يختص به ذلك الطير ، واختلفوا فيما لأجله تفقده على وجوه . أحدها : قول وهب أنه أخل بالنوبة التي كان ينوبها فلذلك تفقده . وثانيها : أنه تفقده لأن مقاييس الماء كانت إليه ، وكان يعرف الفصل بين قريبه وبعيده ، فلحاجة سليمان إلى ذلك طلبه وتفقده . وثالثها : أنه كان يظله من الشمس ، فلما فقد ذلك تفقده .

أما قوله : { فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } فأم هي المنقطعة نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال ما لي لا أراه ، على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول : أهو غائب كأنه يسأل عن صحة ما لاح له ، ومثله قولهم : إنها لإبل أم شاء .