الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَالِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ} (20)

ثم قال : { وتفقد الطير فقال مالي{[52000]} لا أرى الهدهد }[ 20 ] ، سأل ابن عباس ، عبد الله بن سلام{[52001]} : لم تفقد سليمان الهدهد من بين سائر الطير ؟ فقال عبد الله : إن سليمان نزل منزلة{[52002]} في مسير له ، فلم يدر ما بعد الماء ، فقيل : من يعلم{[52003]} ما بعد الماء ؟ فقالوا{[52004]} : الهدهد ، فذلك حين تفقده{[52005]} .

وروي{[52006]} : أن الهدهد كان يدل{[52007]} سليمان على مواضع الماء في أسفاره ، فأخذ الناس عطش في مفازة{[52008]} فسألوا سليمان الماء ، فسأل عن الهدهد ، فقالوا : غاب ولم يكن معه إلا هدهد واحد{[52009]} .

قال ابن عباس : تفقد سليمان-عند سؤالهم الماء- الهدهد ، فسأل عنه ، ودعا أمين الطير{[52010]} فسأله عنه ، ولم يكن معه إلا هدهد واحد . فقال الأمين : ما أدري/أين ذهب ولا استأمرني . فكان الهدهد إذا وضع منقاره في الأرض أخبره كم بعد الماء ، فغضب سليمان عند ذلك ، وتألاّ{[52011]} لنعذبنه{[52012]} عذابا شديدا ، أي ينتف ريشه أو يذبحه{[52013]} أو يأتي بحجة{[52014]} بينة ، وكان أشد عذابه الذي يعذب به الطير{[52015]} أن ينتف ريشه حتى يتركه أقرع لا ريش عليه ، فلم يكن إلا يسيرا حتى أتى الهدهد بعذر بين ، فقال : اطلعت على ما لم تطلع عليه { وجئتك{[52016]} من سبإ{[52017]} }[ 22 ] ، أي بخبر صادق .

قال{[52018]} ابن عباس : لما{[52019]} أقبل الهدهد قيل له : إن سليمان قد حلف ليعاقبنك حين فقدك . فقال الهدهد : هل استثنى ؟ قالوا{[52020]} : نعم ، فأقبل حتى قام بين يديه فأخبره بعذره .

وروي : أن الطير كانت تظله من الشمس في مسيره . فلما غاب الهدهد أصابته الشمس من موضع الهدهد ، فسأل{[52021]} عنه إذ فقده .

وقال ابن عباس : كان سليمان يوضع له ست مائة كرسي ، ثم يجيء أشراف الإنس ، فيجلسون مما يليه ، ثم يجيء أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس ، ثم يدعو الطير فتظلهم ، قال : ثم يدعو الريح فتحملهم فيسير{[52022]} في الغداة{[52023]} الواحدة مسيرة شهر . قال : فبينما هو في مسيرة إذا احتاج إلى الماء ، وهو{[52024]} في فلاة من الأرض قال : فدعا الهدهد ، فجاءه فنقر في الأرض فيبصر موضع الماء . قال : فتجيء الشياطين فيسلخونه كما يسلخ الإهاب ، ثم يستخرجون الماء . فاعترض على ابن عباس نافع بن الأزرق{[52025]} ، فقال له : كيف يبصر الهدهد الماء تحت الأرض ، ولا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه ؟ فقال له ابن عباس : ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر{[52026]} . وذكر أن الهدهد كان يرى الماء في الأرض ، كما يرى الماء في الزجاجة . ومعنى قوله : { مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين }[ 20 ] ، أي أخطأه بصري فلا أره ، وقد حضر أم{[52027]} هو غائب من سائر أجناس الخلق ؟ " وكان " هاهنا بمعنى صار لأنه لم يستفهم وهو حاضر{[52028]} ، إنما استفهم عنه وهو غائب ، وإذا حملت " كان " على لفظها صار المعنى أنه استفهم عنه وهو حاضر ، ولم يكن كذلك بل كان غائبا وقت الاستفهام فكان محمولة على معنى صار . وبذلك{[52029]} يتم المعنى .

و{[52030]} قيل : إن مثله { ما كان لنبيء أن يكون له أسرى }{[52031]} أي أن{[52032]} يصير له أسرى ، لأن الأسرى كانوا بالحضرة لم يكونوا غيبا ، ولا متوقعين ولا منتظرين و " يكون " يدل على أنه أمر متوقع منتظر ، وليس هو كذلك ، بل كانوا بالحضرة ، فالمعنى أن تصير{[52033]} له أسرى .


[52000]:ز: لي.
[52001]:ابن جرير19/143، والدر19/348-349.
[52002]:ز: منزلا.
[52003]:"ما" سقطت من ز.
[52004]:ز: فقال.
[52005]:"الهاء" من تفقده سقطت من ز.
[52006]:انظر: الدر 19/349.
[52007]:ز: نزل.
[52008]:ز: مفارة.
[52009]:ز: واحدا.
[52010]:ز: الطيور.
[52011]:ز: "وءالا" هو الذي ينهض برأسه إذا مشى يحركه إلى فوق. انظر: لسان11/76.
[52012]:ز: ليعذبنه.
[52013]:ز: "ريشه يذبحه".
[52014]:ز: يأتيني.
[52015]:"الطير" سقطت من ز.
[52016]:ز: حجتك.
[52017]:ز: بعدها: يقين.
[52018]:ز: وقال.
[52019]:ز: فلما.
[52020]:ز: فقالوا.
[52021]:ز: وسأل.
[52022]:ز: فسيروا.
[52023]:ز: الغدات.
[52024]:من "وهو في فلاة...موضع الماء" سقط من ز.
[52025]:هو نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي، البكري الوائلي، الحروري أبو راشد: رأس الأزارقة وإليه نسبتهم، انظر: الكامل للمبرد 2/172-181.
[52026]:ابن جرير19/144. انظر: ابن كثير 5/228، والدر 19/349.
[52027]:ز: أو.
[52028]:ز: حاضرا.
[52029]:ز: وبه.
[52030]:ز: أو.
[52031]:الأنفال: 67.
[52032]:"أن" سقطت من ز.
[52033]:ز: يصير.